ألوان المعرفة كشفا عن جديد كان يجهله ، ولذّة مستحدثة لا تغني عنها لذّة سابقة؟
وقد عرفنا من حياة « الطبري » أنه وهب نفسه للعلم ، وقصر عليه حياته ، وناط به حاضره ، ومستقبله.
ومن أهم ثقافة الطبري : العلوم الدينية من قراءات ، وتفسير ، وحديث ، وفقه ، وأصول. وهذه هي ثقافته الأصلية ، ومعظم مؤلفاته تدور في فلكها.
كان « الطبري » شافعيا أولا ، ثم اجتهد وانفرد بمذهب مستقل ، وقد مكنه علمه الواسع بالمذاهب المختلفة أن يؤلف كتابا : في « اختلاف الفقهاء » فيعرض آراءهم ، وأدلتهم ، ويناقشها. وكان الحديث النبوي الواحد يحمله على طلبه في مظانه ، وفي هذا يقول « الطبري » عن نفسه : جئت إلى « أبي حاتم السجستاني » وكان عنده حديث في القياس عن « الأصمعي » عن « أبي زائدة » عن « الشعبي » فسألته عنه ، فحدثني به (١).
كان لأبي جعفر الطبري المكانة السامية ، والمنزلة الرفيعة بين العلماء ، وغيرهم من خاصة الناس ، وعامتهم ، مما استوجب الثناء عليه ، وهذا قبس مما ذكره المؤرخون عنه. قال « أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري » أحد تلاميذه : « كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ لأنه جمع من علوم الاسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد ، ولا ظهر من كتب المصنفين ، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له ، وكان راجحا في علوم القرآن ، والقراءات ، واختلاف الفقهاء مع الرواية كذلك » ا هـ (٢). وقال « الخطيب البغدادي » : « كان « أبو جعفر الطبري » أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله ، وكان قد
__________________
(١) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٨.
(٢) انظر الطبري لأحمد الحوفي ص ٦٠.