.................................................................................................
______________________________________________________
دليل وجوب التكليف بلوغ الحلم فيراعى ذلك هذا باتفاق أهل النظر والعقول ، وإنما يراعي بلوغ الحلم في الأحكام الشرعية دون العقلية ، وقد قال سبحانه في قصة يحيى عليهالسلام « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (١) وفي قصة عيسى « فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا » (٢) الآيات فلم ينف صغر سن هذين النبيين كمال عقلهما ، والحكمة التي آتاهما الله سبحانه ولو كانت العقول تحيل ذلك لإحالته في كل أحد وعلى كل حال ، وقد أجمع أهل التفسير إلا من شذ عنهم في قوله تعالى : « وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها » (٣) الآية أنه كان طفلا صغيرا في المهد ، أنطقه الله حتى برأ يوسف من الفحشاء وأزال عنه التهمة ، والناصبة إذا سمعت هذا الاحتجاج قالت : إن هذا الذي ذكرتموه فيمن عددتموه كان معجزا لخرقه العادة ودلالة لنبي من أنبياء الله عز وجل فلو كان أمير المؤمنين عليهالسلام مشاركا لمن وصفتموه في خرق العادة لكان معجزا له عليهالسلام أو للنبي صلىاللهعليهوآله ، وليس يجوز أن يكون المعجز له ، ولو كان للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لجعله في معجزاته واحتج به في جملة بيناته ولجعله المسلمون من آياته ، فلما لم يجعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لنفسه علما ولا عده المسلمون في معجزاته علمنا أنه لم يجز فيه الأمر على ما ذكرتموه؟ فيقال لهم : ليس كل ما خرق الله به العادة وجب أن يكون علما ولا لزم أن يكون معجزا ولا شاع علمه في العالم ، ولا عرف من صحة الاضطرار وإنما المعجز العلم هو خرق العادة عند دعوة داع أو براءة معروف يجري براءته مجرى التصديق له في مقاله ، بل هي تصديق في المعنى وإن لم يك تصديقا بنفس اللفظ والقول.
وكلام عيسى عليهالسلام إنما كان معجزا لتصديقه له في قوله : « إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا » (٤) مع كونه خرق العادة وشاهدا لبراءة أمه من الفاحشة ،
__________________
(١) سورة مريم : ١٢.
(٢) سورة مريم : ٢٩.
(٣) سورة يوسف : ٢٦.
(٤) سورة مريم : ٣٠.