.................................................................................................
______________________________________________________
والثالث : ما ذكره البيضاوي حيث قال تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة ، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء ، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فإن الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً » حيث لم يف بها ولم يراع حقها ، « جَهُولاً » بكنه عاقبتها ، وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب ، انتهى.
وقال الطبرسي قدسسره أنه على وجه التقدير أجرى عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر معناه لو كانت السماوات والأرض والجبال عاقلة ، ثم عرضت عليها الأمانة وهي وظائف الدين أصولا وفروعا عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها ، ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها ، ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه ، ولم يخف الوعيد لظلمة وجهله وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات والأرض فامتنعت من حملها.
والرابع : أن معنى العرض والإباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلام ، بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد ، والعرب تقول : سألت الربع (١) وخاطبت الدار فامتنعت عن الجواب ، وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب والسؤال ، وتقول : أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال ، وقال سبحانه : « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٢) وخطاب من لا يفهم لا يصح ، فالأمانة على هذا ما أودع الله سبحانه السماوات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والإنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمة ويرجع إليه ما قيل : المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية ، وبعرضها استدعاؤها
__________________
(١) الرَبع ـ كفَلس ـ المنزل ، قال جميل :
« ألم تسمع الربع القواء فينطق |
|
وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق. » |
(٢) سورة فصّلت : ١١.