.................................................................................................
______________________________________________________
الكلية ، وكل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند التدبر والتوفيق من الله سبحانه.
قال السيد المرتضى رضياللهعنه في أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الآية : إنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال بقول صريح أو دليل ينوب مناب القول ، وإنما الكلام في هذه الآية مجاز أريد به الإيضاح عن عظم الأمانة ، وثقل التكليف بها وشدته على الإنسان ، وإن السماوات والأرض والجبال لو كانت مما تقبل لأبت حمل الأمانة ولم يؤد مع ذلك حقها ، ونظير ذلك قوله تعالى : « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » (١) ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان ، ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون وتفوه به الضالون وأقدم به المجرمون من الكفر بالله تعالى ، وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات والأرض والجبال وأن الوزر به كذلك ، وكان الكلام في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه ، ومثل ذلك قوله تعالى : « وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ » (٢) الآية ومعلوم أن الحجارة جماد لا يعلم فيخشى أو يحذر أو يرجو ويؤمل وإنما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية الله تعالى وما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله وقد بين الله ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ » (٣) الآية ، فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظم قدره وعلو شأنه ، وأنه لو كان كلام يكون به ما عده ووصفه لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلام.
وقد قيل : إن المعنى في قوله : « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » عرضها على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال ، والعرب تخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم
__________________
(١) سورة مريم : ٩٠.
(٢) سورة البقرة : ٧٤.
(٣) سورة الرعد : ٣١.