وهكذا نجد أنّ الله تعالى يعتبر الإحسان إلى الوالدين ، قضية جوهرية ، فهي من الأهمية بمكان ، بحيث يبرزها ـ تارة ـ في عالم الاعتبار بصيغة القضاء : ( وقضى ربُّك .. ) ، ويجسدها ـ تارة أُخرى ـ في عالم الامتثال بصيغة الميثاق : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل .. ) ، ويعتبر التعدي على حرمتهما حراماً.
وهنا لابد من التنبيه على أن القرآن الكريم وفي العديد من آياته يؤكد على الأولاد بضرورة الإحسان إلى الآباء ، أما الآباء فلا يؤكد عليهم الإهتمام بأبنائهم إلاّ نادراً ، وفي حالات غير عادية كأن لا يقتلوا أولادهم خشية الاِملاق ، ويكتفي بالتأكيد على أن الاولاد زينةٌ ومتعة ، وموضع فتنة وإغراء للوالدين ، ولم يذكرهم إلاّ مقرونين بالمال وفي موضع التفاخر.
قال تعالى : ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) ( الانفال ٨ : ٢٨ ) ، وقال تعالى : ( ... وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد ... ) ( الحديد ٥٧ : ٢٠ ) ، والسرُّ في ذلك : ان علاقة الوالدين بأولادهم هي أشدّ وأقوى من علاقة الأولاد بوالديهم ، فالآباء بحكم الغريزة الطبيعية أكثر حباً للأولاد من حب الأولاد لهم ، وخصوصاً الأم التي تلف أبناءها برداء الحنان وتضحي بالغالي والنفيس من أجلهم ، وتندفع غريزياً وتلقائياً للقيام بما يؤمن حوائجهم ، وتعمل جاهدة من أجل صنع إكليل سعادتهم ، وعليه فلا يحتاج الآباء إلى توجيه وتوكيد في هذا الصَّدد ، وانما يحتاجون ـ فقط ـ إلى استجاشة الوجدان من أجل تنشئة الجيل ، تنشئة صالحة.
أما الأبناء فتعلقهم بالآباء أضعف فطرةً من تعلق الآباء بهم. ومن هنا