قبلها في الامتنان ، وجعل أسباب المعيشة كلّها في الأرض ظاهر لمن تدبّره.
الثالثة ( يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١)
مفعول « كُلُوا » محذوف أي كلوا شيئا ومن في « مِمّا » للتبعيض و « حَلالاً طَيِّباً » صفتان للمفعول المحذوف وقيل حالان منه ، وأريد بالطيّب ما يكون بالنسبة إلى الطبع وإلّا لكان ترادفا والأصل عدمه « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » أي لا تقتدروا به في تناول المحرمات وفي الآية دلالة على إباحة ما علمت إباحته.
قيل : وفيه دلالة على إباحة أكل ما يمر به الإنسان من الثمرة إذا لم يقصده ولم يحمل معه شيئا ولم يعلم كراهية المالك. وفيه نظر لأنّا بيّنّا أنّها تدلّ على إباحة ما علم إباحته لا ما لم يعلم إباحته فلو جعل دليلا على إباحة ما ذكر لكان مصادرة على المطلوب.
فإن قيل : إنّه علم بالبيان من النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام إباحة ذلك قلنا يكون ذلك هو الدليل لا الآية مع أنّا نقول : الأولى عدم جواز أكل ما ذكر من الثمرة لأصالة عصمة مال المسلم إلّا عن طيب نفس منه وما ورد من أخبار الآحاد الموهمة لا يعارض ذلك وسبب نزول الآية أن قوما حرّموا على أنفسهم أشياء من المباحات اللّذيذة زهدا فنزلت (٢).
__________________
مما افترق فيه الحال والتميز أنه لا يقدم التميز على عامله ، والجواب أنه جوز التقديم أساطين الأدب كالكسائى والمبرد والمازني وابن مالك وتأول المانعون ما استشهد به المجوزون مثل : « أنفسا تطيب بنيل المعنى ». « وما ارعويت ورأسي شيبا اشتملا » و « إذا المرء عينا قر بالعيش مشريا » بكون التميز للفعل المقدر المفسر بالمذكور قلنا وهذا التأويل بعينه جار في الايات. وذكر أبو الفتوح الرازي احتمال كون النصب على الحال وذكر معمر كونه بنزع الخافض.
(١) البقرة : ١٦٨.
(٢) راجع مجمع البيان ج ١ ص ٢٥٢.