كالديدبان ، فكلما كان أعلا كان ادراكه اكثر وابعد مسافة. فان الخط البصري المار على استقامة كلما خرج من موضع اعلاه وقع من حدبة الأرض على موضع أبعد. وايضا فان الشعبة الواردة اليها من الدماغ لدنة كما سنبين لا يمكن ان تمر مسافة طويلة لئلا تقل لدونتها فلا يمكن انعطافها ، وجعل وضع العين من قدام لأجل التناسب من جهة ان اليدين والرجلين وسائر البدن اكثرها من قدام (٤٤).
ولما كان الحس بالعين اكثر ، ومحسوسها وادراكها (٤٥) المبصرات من خارج ، وهي لدنة صافية فصارت بمعرض من الآفات لظهورها. فوجب ان تصان وتوقى ما امكن ، فجعلت في جوبة (٤٦) من العظم وجعل حواليها عظام صلبة وغطيت بالاجفان ، اصينت بالاهداب. وجعلتا اثنتين بحيث لو فقدت واحدة بقيت الأخرى فتقوم مقامها (٤٧) فلا يفقد البصر ويكون اقوى في جهات اكثر. وجعلت الشعبتان الواردتان من الدماغ الحاملتان للروح الباصر والقوّة الباصرة مجوّفتين تخرجان من الدماغ على اقل من زاويتين قائمتين ملتقيتين من داخل القحف التقاء يفضي تجويف كل واحدة منها الى الأخرى ، وتتصلان ، ثم تنعطف الشعبة اليمنى الى الجهة اليمنى وتتصل بالعين اليمنى وتنعطف الشعبة اليسرى الى الجهة اليسرى وتتصل بالعين اليسرى. فاما تجويف الشعبتين فلينفذ (٤٨) فيه الروح الباصر كثيرا من غير تقطع ولا تعثر. واما كونه
_________________
٤٤) جاء في الأصل : من جهة ان اليليز والدجلين وسايل البلز التره من قدام.
٤٥) في الاصل : ولما كانت الحاسة بالعين أكثر ومحسوبها وادرالها.
٤٦) الجوبة : جاء في المعجم الوسيط (هي الحفرة المستديرة الواسعة). وهو يقصد بها هنا مقر كرة العين. وتدعى لغويا (الوقب).
٤٧) في الأصل : فتقوم مدامها.
٤٨) في الأصل : فاما تخويف الشعيت فليعذ منه.