وقد تقدم البحث عن الآية في الكلام على خلقة المسيح في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
قوله تعالى : « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ » تفريع على صدر الكلام بما أنه معلل بقوله : « إِنَّمَا الْمَسِيحُ » (إلخ) أي فإذا كان كذلك وجب عليكم الإيمان على هذا النحو ، وهو أن يكون إيمانا بالله بالربوبية ولرسله ـ ومنهم عيسى ـ بالرسالة ، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا حال كون الانتهاء أو حال كون الإيمان بالله ورسله ونفي الثلاثة خيرا لكم.
والثلاثة هم الأقانيم الثلاثة : الأب والابن وروح القدس ، وقد تقدم البحث عن ذلك في الآيات النازلة في أمر المسيح عليهالسلام من سورة آل عمران.
قوله تعالى : « سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » ، السبحان مفعول مطلق مقدر الفعل ، يتعلق به قوله : « أَنْ يَكُونَ » ، وهو منصوب بنزع الخافض ، والتقدير : أسبحه تسبيحا وأنزهه تنزيها من أن يكون له ولد ، والجملة اعتراض مأتي به للتعظيم.
وقوله « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » حال أو جملة استيناف ، وهو على أي حال احتجاج على نفي الولد عنه سبحانه ، فإن الولد كيفما فرض هو الذي يماثل المولد في سنخ ذاته متكونا منه ، وإذا كان كل ما في السماوات والأرض مملوكا في أصل ذاته وآثاره لله تعالى وهو القيوم لكل شيء وحده فلا يماثله شيء من هذه الأشياء فلا ولد له.
والمقام مقام التعميم لكل ما في الوجود غير الله عز اسمه ولازم هذا أن يكون قوله « ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » تعبيرا كنائيا عن جميع ما سوى الله سبحانه إذ نفس السماوات والأرض مشمولة لهذه الحجة ، وليست مما في السماوات والأرض بل هي نفسها.
ثم لما كان ما في الآية من أمر ونهي هداية عامة لهم إلى ما هو خير لهم في دنياهم وأخراهم ذيل الكلام بقوله « وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً » أي وليا لشئونكم ، مدبرا لأموركم ، يهديكم إلى ما هو خير لكم ويدعوكم إلى صراط مستقيم.
قوله تعالى : « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » احتجاج آخر على نفي ألوهية المسيح عليهالسلام مطلقا سواء فرض كونه ولدا أو أنه ثالث