يناسب مفاد الآية بحسب بادئ النظر كزمان ظهور الدعوة الإسلامية أو ما بعد فتح مكة من الزمان ، أو ما بعد نزول آيات البراءة فلا سبيل إلا أن يقال : إن المراد باليوم يوم نزول الآية نفسها ، وهو يوم نزول السورة إن كان قوله : « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، معترضا مرتبطا بحسب المعنى بالآية المحيطة بها ، أو بعد نزول سورة المائدة في أواخر عهد النبي صلىاللهعليهوآله ، وذلك لمكان قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ».
فهل المراد باليوم يوم فتح مكة بعينه؟ أو يوم نزول البراءة بعينه؟ يكفي في فساده ما تقدم من الإشكالات الواردة على الاحتمال الثاني والثالث المتقدمين.
أو أن المراد باليوم هو يوم عرفة من حجة الوداع كما ذكره كثير من المفسرين وبه ورد بعض الروايات؟ فما المراد من يأس الذين كفروا يومئذ من دين المسلمين فإن كان المراد باليأس من الدين يأس مشركي قريش من الظهور على دين المسلمين فقد كان ذلك يوم الفتح عام ثمانية لا يوم عرفة من السنة العاشرة ، وإن كان المراد يأس مشركي العرب من ذلك فقد كان ذلك عند نزول البراءة وهو في السنة التاسعة من الهجرة ، وإن كان المراد به يأس جميع الكفار الشامل لليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ـ وذلك الذي يقتضيه إطلاق قوله : « الَّذِينَ كَفَرُوا » ـ فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين بعد ، ولما يظهر للإسلام قوة وشوكة وغلبة في خارج جزيرة العرب اليوم.
ومن جهة أخرى يجب أن نتأمل فيما لهذا اليوم ـ وهو يوم عرفة تاسع ذي الحجة سنة عشر من الهجرة ـ من الشأن الذي يناسب قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » في الآية.
فربما أمكن أن يقال : إن المراد به إكمال أمر الحج بحضور النبي صلىاللهعليهوآله بنفسه فيه ، وتعليمه الناس تعليما عمليا مشفوعا بالقول.
لكن فيه أن مجرد تعليمه الناس مناسك حجهم ـ وقد أمرهم بحج التمتع ولم يلبث دون أن صار مهجورا ، وقد تقدمه تشريع أركان الدين من صلاة وصوم وحج وزكاة وجهاد وغير ذلك ـ لا يصح أن يسمى إكمالا للدين ، وكيف يصح أن يسمى تعليم شيء من واجبات الدين إكمالا لذلك الواجب فضلا عن أن يسمى تعليم واجب من واجبات الدين لمجموع الدين.
على أن هذا الاحتمال يوجب انقطاع رابطة الفقرة الأولى أعني قوله : « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ » بهذه الفقرة أعني قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وأي ربط