ليأس الكفار عن الدين بتعليم رسول الله صلىاللهعليهوآله حج التمتع للناس.
وربما أمكن أن يقال إن المراد به إكمال الدين بنزول بقايا الحلال والحرام في هذا اليوم في سورة المائدة ، فلا حلال بعده ولا حرام ، وبإكمال الدين استولى اليأس على قلوب الكفار ، ولاحت آثاره على وجوههم.
لكن يجب أن نتبصر في تمييز هؤلاء الكفار الذين عبر عنهم في الآية بقوله : « الَّذِينَ كَفَرُوا » على هذا التقدير وأنهم من هم؟ فإن أريد بهم كفار العرب فقد كان الإسلام عمهم يومئذ ولم يكن فيهم من يتظاهر بغير الإسلام وهو الإسلام حقيقة ، فمن هم الكفار الآيسون؟.
وإن أريد بهم الكفار من غيرهم كسائر العرب من الأمم والأجيال فقد عرفت آنفا أنهم لم يكونوا آيسين يومئذ من الظهور على المسلمين.
ثم نتبصر في أمر انسداد باب التشريع بنزول سورة المائدة وانقضاء يوم عرفة فقد وردت روايات كثيرة لا يستهان بها عددا بنزول أحكام وفرائض بعد اليوم كما في آية الصيف (١) وآيات الربا ، حتى أنه روي عن عمر أنه قال في خطبة خطبها : من آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنه مات رسول الله ولم يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم ، الحديث وروى البخاري في الصحيح ، عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت على النبي صلىاللهعليهوآله آية الربا ، إلى غير ذلك من الروايات.
وليس للباحث أن يضعف الروايات فيقدم الآية عليها ، لأن الآية ليست بصريحة ولا ظاهرة في كون المراد باليوم فيها هذا اليوم بعينه وإنما هو وجه محتمل يتوقف في تعينه على انتفاء كل احتمال ينافيه ، وهذه الأخبار لا تقصر عن الاحتمال المجرد عن السند.
أو يقال : إن المراد بإكمال الدين خلوص البيت الحرام لهم ، وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون وهم لا يخالطهم المشركون.
وفيه : أنه قد كان صفا الأمر للمسلمين فيما ذكر قبل ذلك بسنة ، فما معنى تقييده باليوم في قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ »؟ على أنه لو سلم كون هذا الخلوص إتماما
__________________
(١) وهي آية الكلالة المذكورة في آخر سورة النساء.