للنعمة لم يسلم كونه إكمالا للدين ، وأي معنى لتسمية خلوص البيت إكمالا للدين ، وليس الدين إلا مجموعة من عقائد وأحكام ، وليس إكماله إلا أن يضاف إلى عدد أجزائها وأبعاضها عدد؟ وأما صفاء الجو لإجرائها ، وارتفاع الموانع والمزاحمات عن العمل بها فليس يسمى إكمالا للدين البتة. على أن إشكال يأس الكفار عن الدين على حاله.
ويمكن أن يقال : إن المراد من إكمال الدين بيان هذه المحرمات بيانا تفصيليا ليأخذ به المسلمون ، ويجتنبوها ولا يخشوا الكفار في ذلك لأنهم قد يئسوا من دينهم بإعزاز الله المسلمين ، وإظهار دينهم وتغليبهم على الكفار.
توضيح ذلك أن حكمة الاكتفاء في صدر الإسلام بذكر المحرمات الأربعة أعني الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به الواقعة في بعض السور المكية وترك تفصيل ما يندرج فيها مما كرهه الإسلام للمسلمين من سائر ما ذكر في هذه الآية إلى ما بعد فتح مكة إنما هي التدرج في تحريم هذه الخبائث والتشديد فيها كما كان التدريج في تحريم الخمر لئلا ينفر العرب من الإسلام ، ولا يروا فيه حرجا يرجون به رجوع من آمن من فقرائهم وهم أكثر السابقين الأولين.
جاء هذا التفصيل للمحرمات بعد قوة الإسلام ، وتوسعة الله على أهله وإعزازهم وبعد أن يئس المشركون بذلك من نفور أهله منه ، وزال طمعهم في الظهور عليهم ، وإزالة دينهم بالقوة القاهرة ، فكان المؤمنون أجدر بهم أن لا يبالوهم بالمداراة ، ولا يخافوهم على دينهم وعلى أنفسهم.
فالمراد باليوم يوم عرفة من عام حجة الوداع ، وهو اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية المبينة لما بقي من الأحكام التي أبطل بها الإسلام بقايا مهانة الجاهلية وخبائثها وأوهامها ، والمبشرة بظهور المسلمين على المشركين ظهورا تاما لا مطمع لهم في زواله ، ولا حاجة معه إلى شيء من مداراتهم أو الخوف من عاقبة أمرهم.
فالله سبحانه يخبرهم في الآية أن الكفار أنفسهم قد يئسوا من زوال دينهم وأنه ينبغي لهم ـ وقد بدلهم بضعفهم قوة ، وبخوفهم أمنا ، وبفقرهم غنى ـ أن لا يخشوا غيره تعالى ، وينتهوا عن تفاصيل ما نهى الله عنه في الآية ففيها كمال دينهم. كذا ذكره بعضهم بتلخيص ما في النقل.