وقد أفرط في الأمر إلى حيث ذهب جمع إلى عدم حجية ظواهر الكتاب وحجية مثل مصباح الشريعة وفقه الرضا وجامع الأخبار! وبلغ الإفراط إلى حيث ذكر بعضهم أن الحديث يفسر القرآن مع مخالفته لصريح دلالته ، وهذا يوازن ما ذكره بعض الجمهور : أن الخبر ينسخ الكتاب. ولعل المتراءى من أمر الأمة لغيرهم من الباحثين كما ذكره بعضهم : « أن أهل السنة أخذوا بالكتاب وتركوا العترة ، فآل ذلك إلى ترك الكتاب لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « إنهما لن يفترقا » وأن الشيعة أخذوا بالعترة وتركوا الكتاب ، فآل ذلك منهم إلى ترك العترة لقوله صلىاللهعليهوآله : « إنهما لن يفترقا » فقد تركت الأمة القرآن والعترة ( الكتاب والسنة ) معا ».
وهذه الطريقة المسلوكة في الحديث أحد العوامل التي عملت في انقطاع رابطة العلوم الإسلامية وهي العلوم الدينية والأدبية عن القرآن مع أن الجميع كالفروع والثمرات من هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وذلك أنك إن تبصرت في أمر هذه العلوم وجدت أنها نظمت تنظيما لا حاجة لها إلى القرآن أصلا حتى أنه يمكن لمتعلم أن يتعلمها جميعا : الصرف والنحو والبيان واللغة والحديث والرجال والدراية والفقه والأصول فيأتي آخرها ، ثم يتضلع بها ثم يجتهد ويتمهر فيها وهو لم يقرأ القرآن ، ولم يمس مصحفا قط ، فلم يبق للقرآن بحسب الحقيقة إلا التلاوة لكسب الثواب أو اتخاذه تميمة للأولاد تحفظهم عن طوارق الحدثان! فاعتبر إن كنت من أهله. ولنرجع إلى ما كنا فيه : كان حال البحث عن القرآن والحديث في عهد عمر ما سمعته ، وقد اتسع نطاق المباحث الكلامية في هذا العهد لما أن الفتوحات الوسيعة أفضت بالطبع إلى اختلاط المسلمين بغيرهم من الأمم وأرباب الملل والنحل وفيهم العلماء والأحبار والأساقفة والبطارقة الباحثون في الأديان والمذاهب فارتفع منار الكلام لكن لم يدون بعد تدوينا ، فإن ما عد من التآليف فيه إنما ذكر في ترجمات من هو بعد هذا العصر.
ثم كان الأمر على ذلك في عهد عثمان على ما فيه من انقلاب الناس على الخلافة ، وإنما وفق لجمع المصاحف ، والاتفاق على مصحف واحد.
ثم كان الأمر على ذلك في خلافة علي عليهالسلام وشغله إصلاح ما فسد من مجتمع المسلمين