انتهى. ثم استعمل للتعليل ، يقال : فعلته من أجل كذا أي إن كذا سبب فعلي ، ولعل استعمال الكلمة في التعليل ابتدأ أولا في مورد الجناية والجريرة كقولنا : أساء فلان ومن أجل ذلك أدبته بالضرب أي إن ضربي ناش من جنايته وجريرته التي هي إساءته أو من جناية هي إساءته ، ثم أرسلت كلمة تعليل فقيل : أزورك من أجل حبي لك ولأجل حبي لك.
وظاهر السياق أن الإشارة بقوله : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ » إلى نبأ ابني آدم المذكور في الآيات السابقة أي إن وقوع تلك الحادثة الفجيعة كان سببا لكتابتنا على بني إسرائيل كذا وكذا ، وربما قيل : إن قوله : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ » متعلق بقوله في الآية السابقة : « فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ » أي كان ذلك سببا لندامته ، وهذا القول وإن كان في نفسه غير بعيد كما في قوله تعالى : « كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى » الآية : ( البقرة : ٢٢٠ ) إلا أن لازم ذلك كون قوله : « كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ » (إلخ) مفتتح الكلام والمعهود من السياقات القرآنية أن يؤتى في مثل ذلك بواو الاستيناف كما في آية البقرة المذكورة آنفا وغيرها.
وأما وجه الإشارة في قوله : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ » إلى قصة ابني آدم فهو أن القصة تدل على أن من طباع هذا النوع الإنساني أن يحمله اتباع الهوى والحسد الذي هو الحنق للناس بما ليس في اختيارهم أن يحمله أوهن شيء على منازعة الربوبية وإبطال غرض الخلقة بقتل أحدهم أخاه من نوعه وحتى شقيقه لأبيه وأمه.
فأشخاص الإنسان إنما هم أفراد نوع واحد وأشخاص حقيقة فاردة ، يحمل الواحد منهم من الإنسانية ما يحمله الكثيرون ، ويحمل الكل ما يحمله البعض وإنما أراد الله سبحانه بخلق الأفراد وتكثير النسل أن تبقى هذه الحقيقة التي ليس من شأنها أن تعيش إلا زمانا يسيرا ، ويدوم بقاؤها فيخلف اللاحق السابق ويعبد الله سبحانه في أرضه ، فإفناء الفرد بالقتل إفساد في الخلقة وإبطال لغرض الله سبحانه في الإنسانية المستبقاة بتكثير الأفراد بطريق الاستخلاف كما أشار إليه ابن آدم المقتول فيما خاطب أخاه : « ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ » فأشار إلى أن القتل بغير الحق منازعة الربوبية.
فلأجل أن من طباع الإنسان أن يحمله أي سبب واه على ارتكاب ظلم يئول بحسب الحقيقة إلى إبطال حكم الربوبية وغرض الخلقة في الإنسانية العامة ، وكان من شأن بني