واعلم أن في القصة روايات كثيرة مختلفة المضامين عجيبتها كالقائلة إن الله أخذ كبش هابيل فخزنه في الجنة أربعين خريفا ثم فدى به إسماعيل فذبحه إبراهيم ، والقائلة : إن هابيل مكن قابيل من نفسه وأنه تحرج أن يبسط يده إلى أخيه ، والقائلة إن قابيل لما قتل أخاه عقل الله إحدى رجليه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة وجعل وجهه إلى اليمين حيث دار دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء ، وعليه في الصيف حظيرة من نار ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر ، والقائلة : إنه معذب في جزيرة من جزائر البحر علقه الله منكوسا وهو كذلك إلى يوم القيامة ، والقائلة : إن قابيل بن آدم معلق بقرونه في عين الشمس تدور به حيث دارت في زمهريرها وحميمها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة صيره الله إلى النار ، والقائلة : إن ابن آدم الذي قتل أخاه كان قابيل الذي ولد في الجنة ، والقائلة : إن آدم لما بان له قتل هابيل رثاه بعدة أبيات بالعربية ، والقائلة : إنه كان من شريعتهم أن الإنسان إذا قصده آخر تركه وما يريد من غير أن يمتنع منه ، إلى غير ذلك من الروايات.
فهذه وأمثالها روايات من طرق جلها أو كلها ضعيفة ، وهي لا توافق الاعتبار الصحيح ولا الكتاب يوافقها فهي بين موضوعة بينة الوضع وبين محرفة أو مما غلط فيه الرواة من جهة النقل بالمعنى.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يعجز أحدكم أتاه الرجل أن يقتله أن يقول هكذا؟ وقال : بإحدى يديه على الأخرى ـ فيكون كالخير من ابني آدم ، وإذا هو في الجنة وإذا قاتله في النار.
أقول : وهي من روايات الفتن ، وهي كثيرة روى أكثرها السيوطي في الدر المنثور ، كالذي رواه عن البيهقي عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : اكسروا سيفكم يعني في الفتنة ـ واقطعوا أوتاركم والزموا أجواف البيوت ، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم ، وما رواه عن ابن جرير وعبد الرزاق عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة ـ فخذوا بالخير منهما ، إلى غير ذلك.
وهذه روايات لا تلائم بظاهرها الاعتبار الصحيح المؤيد بالآثار الصحيحة الآمرة بالدفاع عن النفس والانتصار للحق ، وقد قال تعالى : « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا