أقول : والروايات كما ترى تعمم معنى التحية في الآية.
وفي المجمع في قوله تعالى « فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ » (الآية) قال اختلفوا في من نزلت هذه الآية فيه ، فقيل : نزلت في قوم قدموا المدينة من مكة ، فأظهروا للمسلمين الإسلام ثم رجعوا إلى مكة ـ لأنهم استوخموا المدينة فأظهروا الشرك ، ثم سافروا ببضائع المشركين إلى اليمامة ، فأراد المسلمون أن يغزوهم فاختلفوا : فقال بعضهم لا نفعل فإنهم مؤمنون ، وقال آخرون : إنهم مشركون ، فأنزل الله فيهم الآية : قال : وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام.
وفي تفسير القمي ، في قوله تعالى « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا » (الآية) أنها نزلت في أشجع وبني ضمرة ، وهما قبيلتان ، وكان من خبرهم أنه لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى غزاة الحديبية مر قريبا من بلادهم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله هادن بني ضمرة ، وواعدهم قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا ، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله كلا إنهم أبر العرب بالوالدين ، وأوصلهم للرحم ، وأوفاهم بالعهد.
وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة ، وهم بطن من كنانة ، وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة والأمان ، فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بني ضمرة فسارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة فلما بلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمسير إلى أشجع ليغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة فأنزل الله : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ».
ثم استثنى بأشجع فقال : « إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ».
وكانت أشجع محالها البيضاء والحل والمستباح ، وقد كانوا قربوا من رسول الله صلىاللهعليهوآله فهابوا لقربهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يبعث إليهم من يغزوهم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة ، وهم سبعمائة فنزلوا شعب سلع ، وذلك في شهر ربيع الأول