فقال : الرشا. فقيل له : في الحكم؟ قال : ذاك الكفر.
أقول : قوله : « ذاك الكفر » كأنه إشارة إلى ما وقع بين الآيات المبحوث عنها من قوله تعالى في سياق ذم السحت والارتشاء في الحكم : « وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ » وقد تكرر في الروايات عن الباقر والصادق عليهالسلام أنهما قالا : وأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله وبرسوله ، والروايات في تفسير السحت وحرمته كثيرة مروية من طرق الشيعة وأهل السنة مودعة في جوامعهم.
وفي الدر المنثور في قوله تعالى : « فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ » (الآية) : أخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والحاكم ـ وصححه ـ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: آيتان نسختا من هذه السورة ـ يعني من المائدة ـ : آية القلائد وقوله : « فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ » فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت : « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ » قال : فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
وفيه ، أخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس: في قوله : « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ » قال : نسختها هذه الآية ـ « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ » : أقول : وروي أيضا عن عبد الرزاق عن عكرمة مثله ، والمتحصل من مضمون الآيات لا يوافق هذا النسخ فإن الاتصال الظاهر من سياق الآيات يقضي بنزولها دفعه واحدة ولا معنى حينئذ لنسخ بعضها بعضا ، على أن قوله تعالى : « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ » ، آية غير مستقلة في معناها بل مرتبطة بما تقدمها ولا وجه على هذا لكونها ناسخة ، ولو صح النسخ مع ذلك كان ما قبلها أعني قوله : « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ » ، في الآية السابقة أحق بالنسخ منها. على أنك قد عرفت أن الأظهر رجوع الضمير في قوله تعالى : « بَيْنَهُمْ » إلى الناس مطلقا دون أهل الكتاب أو اليهود خاصة ، على أنه قد تقدم في أوائل الكلام على السورة : أن سورة المائدة ناسخة غير منسوخة.
وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : « إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ » : (الآية) عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليهالسلام : أن مما استحقت به الإمامة : التطهير والطهارة من الذنوب ـ والمعاصي الموبقة التي توجب النار ثم العلم المنور ـ وفي نسخة : المكنون ـ بجميع ما يحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها ، والعلم بكتابها خاصه وعامه ، والمحكم والمتشابه