منزلتهم من غير تعرض لشيء من آثاره الفرعية ، واللفظ وإن لم يتقيد بقيد لكنه لما كان من قبيل بيان الملاك ـ نظير قوله : « وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ » : ( البقرة : ١٨٤ ) وقوله : « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ » : ( العنكبوت : ٤٥ ) إلى غير ذلك ـ لم يكن إلا مهملا يحتاج التمسك به في إثبات حكم فرعي إلى بيان السنة ، والمرجع في البحث عن ذلك فن الفقه.
قوله تعالى : « فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ » تفريع على قوله في الآية السابقة : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » فمن عدم شمول الهداية الإلهية لحالهم ـ وهو الضلال ـ مسارعتهم فيهم واعتذارهم في ذلك بما لا يسمع من القول ، وقد قال تعالى : « يُسارِعُونَ فِيهِمْ » ولم يقل يسارعون إليهم ، فهم منهم وحالون في الضلال محلهم ، فهؤلاء يسارعون فيهم لا لخشية إصابة دائرة عليهم فليسوا يخافون ذلك ، وإنما هي معذرة يختلقونها لأنفسهم لدفع ما يتوجه إليهم من ناحية النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين من اللوم والتوبيخ بل إنما يحملهم على تلك المسارعة توليهم أولئك ( اليهود والنصارى ).
ولما كان من شأن كل ظلم وباطل أن يزهق يوما ويظهر للملأ فضيحته ، وينقطع رجاء من توسل إلى أغراض باطلة بوسائل صورتها صورة الحق كما قال تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » كان من المرجو قطعا أن يأتي الله بفتح أو أمر من عنده فيندموا على فعالهم ، ويظهر للمؤمنين كذبهم فيما كانوا يظهرونه.
وبهذا البيان يظهر وجه تفرع قوله : « فَتَرَى الَّذِينَ » (إلخ) على قوله : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » وقد تقدم كلام في معنى عدم اهتداء الظالمين في ظلمهم.
فهؤلاء القوم منافقون من جهة إظهارهم للنبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ما ليس في قلوبهم حيث يعنونون مسارعتهم في اليهود والنصارى بعنوان الخشية من إصابة الدائرة ، وعنوانه الحقيقي الموافق لما في قلوبهم هو تولي أعداء الله فهذا هو وجه نفاقهم ، وأما كونهم منافقين بمعنى الكافرين المظهرين للإيمان فسياق الآيات لا يوافقه.
وقد ذكر جماعة من المفسرين أنهم المنافقون كعبد الله بن أبي وأصحابه على ما يؤيده أسباب النزول الواردة فإن هؤلاء المنافقين كانوا يشاركون المؤمنين في مجتمعهم ويجاملونهم من جانب ، ومن الجانب الآخر كانوا يتولون اليهود والنصارى بالحلف والعهد على النصرة استدرارا للفئتين ، وأخذا بالاحتياط في رعاية مصالح أنفسهم ليغتبطوا على أي حال ،