نالها المسلمون حتى اليوم فإن عد نفع الإيمان وهو التوبة إنما يتصور لأحد أمرين ـ كما تقدم بيانه في الكلام على التوبة (١) ـ : إما بتبدل نشأة الحياة وارتفاع الاختيار لتبدل الدنيا بالآخرة ، وإما بتكون أخلاق وملكات في الإنسان يقسو بها القلب قسوة لا رجاء معها للتوبة والرجوع إلى الله سبحانه قال تعالى : « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » : ( الأنعام : ١٥٨ ) وقال تعالى : « وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ » : ( النساء : ١٨ ).
وكيف كان فإن كان المراد بالفتح أحد فتوحات المسلمين كفتح مكة أو فتح قلاع اليهود أو فتح بلاد النصارى فهو ، إلا أن في انطباق ما ذكره الله تعالى بقوله : « فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا » (إلخ) وقوله : « وَيَقُولُ الَّذِينَ » (إلخ) عليه خفاء تقدم وجهه.
وإن كان المراد به الفتح بمعنى القضاء للإسلام على الكفر والحكم الفصل بين الرسول وقومه فهو من الملاحم القرآنية التي ينبئ تعالى فيها عما سيستقبل هذه الأمة من الحوادث ، وينطبق على ما ذكره الله في سورة يونس من قوله : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ » إلى آخر الآيات : ( يونس : ٤٧ ـ ٥٦ ).
وأما قوله : « فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ » فإن الندامة إنما تحصل عند فعل ما لم يكن ينبغي أن يفعل أو ترك ما لم يكن ينبغي أن يترك ، وقد فعلوا شيئا ، والله سبحانه يذكر في الآية التالية حبط أعمالهم وخسرانهم في صفقتهم فإنما أسروا في أنفسهم تولي اليهود والنصارى لينالوا به وبالمسارعة فيهم ما كانت اليهود والنصارى يريدونه من انطفاء نور الله والتسلط على شهوات الدنيا من غير مانع من الدين.
فهذا ـ لعله ـ هو الذي أسروه في أنفسهم ، وسارعوا لأجله فيهم ، وسوف يندمون على بطلان سعيهم إذا فتح الله للحق.
قوله تعالى : « وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا » ( إلى آخر الآية ) وقرئ « يَقُولُ » بالنصب عطفا على قوله : « فَيُصْبِحُوا » وهي أرجح لكونها أوفق بالسياق فإن ندامتهم على ما أسروه في أنفسهم وقول المؤمنين : « أَهؤُلاءِ » (إلخ) جميعا تقريع لهم بعاقبة توليهم ومسارعتهم في اليهود والنصارى ، وقوله : « هؤُلاءِ » إشارة إلى اليهود والنصارى ، وقوله : « لَمَعَكُمْ » خطاب
__________________
(١) في الكلام على قوله تعالى : « إنما التوبة على الله ، الآيتين » النساء ١٧ : ١٨ في الجزء الرابع من الكتاب.