وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » : ( الأنعام : ٨٢ ) فهم مأمونون من الضلال وقد قال تعالى : « فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ » : ( النحل : ٣٧ ) فهم في أمن إلهي من كل ضلالة ، وعلى اهتداء إلهي إلى صراطه المستقيم ، وهم بإيمانهم الذي صدقهم الله فيه مهديون إلى اتباع الرسول والتسليم التام له كتسليمهم لله سبحانه قال تعالى : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » : ( النساء : ٦٥ ).
وعند ذلك يتم أنهم من مصاديق قوله تعالى : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » : ( آل عمران : ٣١ ) وبه يظهر أن اتباع النبي صلىاللهعليهوآله ومحبة الله متلازمان فمن اتبع النبي أحبه الله ولا يحب الله عبدا إلا إذا كان متبعا لنبيه صلىاللهعليهوآله.
وإذا اتبعوا الرسول اتصفوا بكل حسنة يحبها الله ويرضاها كالتقوى والعدل والإحسان والصبر والثبات والتوكل والتوبة والتطهر وغير ذلك قال تعالى : « فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » : ( آل عمران : ٧٦ ) وقال : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » : ( البقرة : ١٩٥ ) وقال : « وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ » : ( آل عمران : ١٤٦ ) وقال : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » : ( الصف : ٤ ) وقال : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » : ( آل عمران : ١٥٩ ) وقال : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » : ( البقرة : ٢٢٢ ) إلى غير ذلك من الآيات.
وإذا تتبعت الآيات الشارحة لآثار هذه الأوصاف وفضائل تتعقبها عثرت على أمور جمة من الخصال الحسنة ، ووجدت أن جميعها تنتهي إلى أن أصحابها هم الوارثون الذين يرثون الأرض ، وأن لهم عاقبة الدار كما يومئ إليه الآية المبحوث عنها : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ » وقد قال تعالى ـ وهي كلمة جامعة ـ : « وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى » : ( طه : ١٣٢ ) وسنشرع معنى كون العاقبة للتقوى فيما يناسبه من المورد إن شاء الله العزيز.
قوله تعالى : « أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ » الأذلة والأعزة جمعا الذليل والعزيز ، وهما كنايتان عن خفضهم الجناح للمؤمنين تعظيما لله الذي هو وليهم وهم أولياؤه ، وعن ترفعهم من الاعتناء بما عند الكافرين من العزة الكاذبة التي لا يعبأ بأمرها الدين كما أدب بذلك نبيه في قوله : « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » : ( الحجر : ٨٨ ) ولعل تعدية « أَذِلَّةٍ » بعلى لتضمينه معنى الحنان أو الحنو كما قيل.