قوله تعالى : « يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » أما قوله : « يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ » فقد اختص بالذكر من بين مناقبهم الجمة لكون الحاجة تمس إليه في المقام لبيان أن الله ينتصر لدينه بهم ، وأما قوله : « وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » فالظاهر أنه حال متعلق بالجمل المتقدمة لا بالجملة الأخيرة فقط ـ وإن كانت هي المتيقنة في أمثال هذه التركيبات ـ وذلك لأن نصرة الدين بالجهاد في سبيل الله كما يزاحمها لومة اللائمين الذين يحذرونهم تضييع الأموال وإتلاف النفوس وتحمل الشدائد والمكاره كذلك التذلل للمؤمنين والتعزز على الكافرين وعندهم من زخارف الدنيا ومبتغيات الشهوة ، وأمتعة الحياة ما ليس عند المؤمنين هما مما يمانعه لومة اللائم ، وفي الآية ملحمة غيبية سنبحث عنها في كلام مختلط من القرآن والحديث إن شاء الله تعالى.
( بحث روائي )
وفي الدر المنثور في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ » (الآية) : أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد أن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع. رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي بن سلول وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج ، وله من حلفهم مثل الذي كان لهم من عبد الله بن أبي ـ فخلعهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ـ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ـ إلى قوله ـ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ».
وفيه ، أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله.
فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعبد الله بن أبي : يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه؟ قال : إذن أقبل فأنزل الله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ