العوامل والأسباب الموجودة متعاضدة على أن تسوقهم إلى مهابط السقوط ودركات الردى ، والابتلاء بسخط الله كما في آيات الربا وآية مودة القربى وغيرهما.
ومن طبع الخطاب ذلك فإن المتكلم الحكيم إذا أمر بأمر حقير يسير ثم بالغ في تأكيده والإلحاح عليه بما ليس شأنه ذلك ، أو خاطب أحدا بخطاب ليس من شأن ذلك المخاطب أن يوجه إلى مثله ذلك الخطاب كنهي عالم رباني ذي قدم صدق في الزهد والعبادة عن ارتكاب أفضح الفجور على رءوس الأشهاد دل ذلك على أن المورد لا يخلو عن شيء وأن هناك خطبا جليلا ومهلكة خطيرة مشرفة.
والخطابات القرآنية التي هذا شأنها تعقبت حوادث صدقتها في ما كانت تلوح إليه بل تدل عليه ، وإن كان السامعون ( لعلهم ) ما كانوا يتنبهون في أول ما سمعوها يوم النزول على ما تتضمنه من الإشارات والدلالات.
فقد أمر القرآن بمودة قربى رسول الله صلىاللهعليهوآله وبالغ فيها حتى عدها أجر الرسالة والسبيل إلى الله سبحانه ثم وقع أن استباحت الأمة في أهل بيته من فجائع المظالم ما لو أمروا به لم يكونوا ليزيدوا على ما أتوا به فيهم.
ونهى القرآن عن الاختلاف وبالغ فيه بما لا مزيد عليه ثم وقع إن تفرقت الأمة تفرقا وانشعبت انشعابات زادت على ما عند اليهود والنصارى ، وكانت اليهود إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى اثنتين وسبعين فرقة فأتى المسلمون بثلاث وسبعين فرقة هذا في مذاهبهم في معارف الدين العلمية ، وأما مذاهبهم في السنن الاجتماعية وتأسيس الحكومات وغيرها فلا تقف على حد حاصر.
ونهى القرآن عن الحكم بغير ما أنزل الله ، ونهى عن إلقاء الاختلاف بين الطبقات ونهى عن الطغيان واتباع الهوى إلى غير ذلك وشدد فيها ثم وقع ما وقع.
والأمر في النهي عن ولاية الكفار وأهل الكتاب نظير غيره من النواهي المؤكدة الواردة في القرآن الكريم بل ليس من البعيد أن يدعى أن التشديد الواقع في النهي عن ولاية الكفار وأهل الكتاب لا يعدله أي تشديد واقع في سائر النواهي الفرعية.
فقد بلغ الأمر فيه إلى أن عد الله سبحانه الموالين لأهل الكتاب والكفار منهم : « وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ » ونفاهم من نفسه إذ قال : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) : ( آل عمران : ٢٨ ) وحذرهم منتهى التحذير فقال مرة بعد أخرى : « وَيُحَذِّرُكُمُ