اللهُ نَفْسَهُ » : ( آل عمران : ٢٨ ـ ٣٠ ) وقد مر في الكلام على الآية أن مدلولها وقوع المحذور لا محالة قضاء حتما لا مبدل له ولا محول.
وإن شئت مزيد وضوح لذلك فتدبر في قوله تعالى : « وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ ـ وقد ذكر قبل الآية قصص أمم نوح وهود وصالح وغيرهم ثم اختلاف اليهود في كتابهم ـ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا ـ والخطاب كما ترى خطاب اجتماعي ـ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » : ( هود : ١١٢ ) ثم تدبر في قوله تعالى بعده : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ » : ( هود : ١١٣ ).
وقد بين الله سبحانه معنى مسيس هذه النار في الدنيا قبل الآخرة ـ والآية مطلقة ـ وهو الذي توعد به في قوله : « وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » بقوله تعالى : « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » : ( المائدة : ٣ ) فبين فيه أن الذي كان يخشاه المؤمنون على دينهم من الذين كفروا وهم المشركون وأهل الكتاب ـ كما تبين سابقا ـ إلى يوم نزول الآية فهم اليوم في أمن منه فلا ينبغي لهم أن يخشوهم فيه بل يجب عليهم أن يخشوا فيه ربهم ، والذي كانوا يخشونهم فيه على دينهم هو أن الكفار لم يكن لهم هم فيهم إلا إطفاء نور الدين ، وسلب هذه السلعة النفيسة من أيديهم بأي وسيلة قدروا عليها.
فهذا هو الذي كانوا يخشونه قبل اليوم ، وبنزول سورة المائدة أمنوا ذلك واطمأنت أنفسهم غير أنه يجب عليهم أن يخشوا في ذلك ربهم أن لا يذهب بنورهم ولا يسلبهم دينه.
ومن المعلوم أن الله سبحانه لا يفاجئ قوما بنقمة أو عذاب من غير أن يستحقوه قال تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » : ( الأنفال : ٥٣ ) فبين أن تغييره النعمة لا يكون إلا عن استحقاق ، وأنه يتبع تغيير الناس ما بأنفسهم ، وقد سمى الدين أو الولاية الدينية كما تقدم نعمة حيث قال بعده : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » الأنفال ٣.
فتغيير هذه النعمة من قبلهم ، والتخطي عن ولاية الله بقطع الرابطة منه ، والركون إلى الظالمين ، وولاية الكفار وأهل الكتاب هو المتوقع منهم ، والواجب عليهم أن يخشوه على أنفسهم فيخشوا الله في سخط لا راد له ، وقد أوعدهم فيه بقوله : « وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » : ( المائدة : ٥١ ) فأخبر أنه لا يهديهم إلى سعادتهم