منها : أن المراد بالتفضيل في صدر الآية تفضيل المجاهدين على القاعدين أولي الضرر بدرجة وفي ذيل الآية تفضيل المجاهدين على القاعدين غير أولي الضرر بدرجات.
ومنها : أن المراد بالدرجة في صدر الآية المنزلة الدنيوية كالغنيمة وحسن الذكر ونحوهما وبالدرجات في آخر الآية المنازل الأخروية وهي أكثر بالنسبة إلى الدنيا ، قال تعالى : « وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ » : ( إسراء ـ ٢١ ).
ومنها : أن المراد بالدرجة في صدر الآية المنزلة عند الله ، وهي أمر معنوي ، وبالدرجات في ذيل الآية منازل الجنة ودرجاتها الرفيعة وهي حسية ، وأنت خبير بأن هذه الأقوال لا دليل عليها من جهة اللفظ.
والضمير في قوله « مِنْهُ » لعله راجع إلى الله سبحانه ، ويؤيده « قوله وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً » بناء على كونه بيانا للدرجات ، والمغفرة والرحمة من الله ، ويمكن رجوع الضمير إلى الأجر المذكور قبلا.
وقوله « وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً » ظاهره كونه بيانا للدرجات فإن الدرجات وهي المنازل من الله سبحانه أيا ما كانت فهي مصداق المغفرة والرحمة ، وقد علمت في بعض المباحث السابقة أن الرحمة ـ وهي الإفاضة الإلهية للنعمة ـ تتوقف على إزالة الحاجب ورفع المانع من التلبس بها ، وهي المغفرة ، ولازمه أن كل مرتبة من مراتب النعم ، وكل درجة ومنزلة رفيعة مغفرة بالنسبة إلى المرتبة التي بعدها ، والدرجة التي فوقها ، فصح بذلك أن الدرجات الأخروية كائنة ما كانت مغفرة ورحمة من الله سبحانه ، وغالب ما تذكر الرحمة وما يشابهها في القرآن تذكر معها المغفرة كقوله « مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ » ( المائدة : ٩ ) وقوله « وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » : ( الأنفال : ٤ ) ، وقوله « مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ » : ( هود : ١١ ) ، وقوله « وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ » : ( الحديد : ٢٠ ) ، وقوله « وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا » : ( البقرة : ٢٨٦ ) إلى غير ذلك من الآيات.
ثم ختم الآية بقوله : « وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » ومناسبة الاسمين مع مضمون الآية ظاهرة لا سيما بعد قوله في ذيلها « وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ».
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ » لفظ « تَوَفَّاهُمُ » صيغة ماض أو صيغة مستقبل ـ والأصل تتوفاهم حذفت إحدى التاءين من اللفظ تخفيفا ـ نظير قوله