تعالى « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ » : ( النحل : ٢٨ ).
والمراد بالظلم كما تؤيده الآية النظيرة هو ظلمهم لأنفسهم بالإعراض عن دين الله وترك إقامة شعائره من جهة الوقوع في بلاد الشرك والتوسط بين الكافرين حيث لا وسيلة يتوسل بها إلى تعلم معارف الدين ، والقيام بما تندب إليه من وظائف العبودية ، وهذا هو الذي يدل عليه السياق في قوله « قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ » إلى آخر الآيات الثلاث.
وقد فسر الله سبحانه الظالمين ( إذا أطلق ) في قوله « لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً » : ( الأعراف : ٤٥ ) ، ومحصل الآيتين تفسير الظلم بالإعراض عن دين الله وطلبه عوجا ومحرفا ، وينطبق على ما يظهر من الآية التي نحن فيها.
قوله تعالى : « قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ » أي فيما ذا كنتم من الدين ، وكلمة « م » هي ما الاستفهامية حذفت عنها الألف تخفيفا.
وفي الآية دلالة في الجملة على ما تسميه الأخبار بسؤال القبر ، وهو سؤال الملائكة عن دين الميت بعد حلول الموت كما يدل عليه أيضا قوله تعالى : « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً » : الآيات ( النحل : ٣٠ ).
قوله تعالى : « قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها » كان سؤال الملائكة ( فِيمَ كُنْتُمْ ) سؤالا عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين ، ولم يكن هؤلاء المسئولون على حال يعتد به من جهة الدين فأجابوا بوضع السبب موضع المسبب وهو أنهم كانوا يعيشون في أرض لا يتمكنون فيها من التلبس بالدين لكون أهل الأرض مشركين أقوياء فاستضعفوهم فحالوا بينهم وبين الأخذ بشرائع الدين والعمل بها.