تتبع الواقع فافهم ذلك.
فقد تبين : أن جهات الحسن والمصلحة وما يناظرها في عين أنها موجودة في أفعاله تعالى وأحكامه ، وفي أفعالنا وأحكامنا بما نحن عقلاء تختلف في أنها بالنسبة إلى أعمالنا وأحكامنا حاكمة مؤثرة ، وإن شئت قلت دواع وعلل غائية ، وبالنسبة إلى أفعاله وأحكامه تعالى لازمة غير منفكة وإن شئت قلت : فوائد مطردة ، فنحن بما أنا عقلاء نفعل ما نفعل ونحكم ما نحكم لأنا نريد به تحصيل الخير والسعادة وتملك ما لا نملكه بعد ، وهو تعالى يفعل ما يفعل ويحكم ما يحكم لأنه الله ، ويترتب على فعله ما يترتب على فعلنا من الحسن والمصلحة ، وأفعالنا مسئول عنها معللة بغاياتها ومصالحها ، وأفعاله غير مسئول عنها ولا معللة بغاية لا يملكها بل مكشوفة بلوازمها ونعوتها اللازمة ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فافهم ذلك.
وهذا هو الذي يهدي إليه كلامه عز اسمه كقوله تعالى : « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » : ( الأنبياء : ٢٣ ) وقوله : « لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ » : ( القصص : ٧٠ ) وقوله : « وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » : ( إبراهيم : ٢٧ ) وقوله : « وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » : ( الرعد : ٤١ ).
ولو كان فعله تعالى كأفعالنا العقلائية لكان لحكمه معقب إلا أن يعتضد بمصلحة محسنة ولم يكن له ليفعل ما يشاء بل ما تشير إليه المصلحة المقارنة ، وقوله : « قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ » : ( الأعراف : ٢٨ ) وقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » : ( الأنفال : ٢٤ ) وغير ذلك من الآيات التي تعلل الأحكام بوجوه الحسن والمصلحة.
قوله تعالى : « قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » إلى آخر الآية ، أي لو قدرت على ما تقترحونه علي من الآية والحال أنها بحيث إذا نزلت على رسول لم تنفك عن الحكم الفصل بينه وبين أمته لقضي الأمر بيني وبينكم ، ونجي بذلك أحد المتخاصمين المختلفين وعذب الآخر وأهلك ، ولم يعذب بذلك ولا يهلك إلا أنتم لأنكم ظالمون ، والعذاب الإلهي إنما يأخذ الظالمين بظلمهم ، وهو سبحانه أنزه ساحة من أن يشتبه عليه الأمر ولا يميز الظالمين من غيرهم فيعذبني دونكم.
ففي قوله تعالى : « وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ » نوع تكنية وتعليل أي إنكم أنتم المعذبون