وقد أضيف في هذه الآية كل كرب إلى ظلمات البر والبحر ليعم الجميع فإن إنسانا ما لا يخلو في مدى حياته من شيء من الكروب والغموم فالمسألة والدعاء عام فيهم سواء أعلنوا به أو أسروا.
فملخص المراد بالآية أنكم في الشدائد النازلة بكم في ظلمات البر والبحر وغيرها إذا انقطعتم عن الأسباب الظاهرة وأعيت بكم الحيل تشاهدون بالرجوع إلى فطرتكم الإنسانية أن الله سبحانه هو ربكم لا رب سواه وتجزمون أن عبادتكم لغيره ظلم وإثم والشاهد على ذلك أنكم تدعونه حينئذ تضرعا وخفية ، وتعدونه أن تشكروه بعد ذلك ولا تكفروا به إن أنجاكم لكنكم بعد الإنجاء تنقضون ميثاقكم الذي واثقتموه به وتستمرون على سابق كفركم ، ففي الآيتين احتجاج على المشركين وتوبيخ لهم على حنث اليمين وخلف الوعد.
قوله تعالى : « قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ » إلى آخر الآية ، قال الراغب في المفردات ، : أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال : بعثته فانبعث ، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به فبعثت البعير أثرته وسيرته ، وقوله عز وجل : ( وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ) أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة ـ إلى أن قال ـ فالبعث ضربان : بشري كبعث البعير وبعث الإنسان في حاجة ، وإلهي وذلك ضربان : أحدهما : إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع عن ليس وذلك يختص به الباري تعالى ولم يقدر عليه أحد ، والثاني إحياء الموتى وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى عليهالسلام وأمثاله ، انتهى.
وبالجملة في لفظه شيء من معنى الإقامة والإنهاض ، وبهذه العناية يستعمل في التوجيه والإرسال لأن التوجيه إلى حاجة والإرسال نحو قوم يكون بعد سكون وخمود غالبا ، وعلى هذا فبعث العذاب لا يخلو من إشعار على أنه عذاب من شأنه أن يتوجه إليهم ويقع بهم ، وإنما يمنع عن هذا الاقتضاء مانع كالإيمان والطاعة ، وللكلام تتمة سنوافيك.
وقال في المجمع ، : لبست عليهم الأمر ألبسه إذا لم أبينه وخلطت بعضه ببعض ولبست الثوب ألبسه ، واللبس اختلاط الأمر واختلاط الكلام ، ولابست الأمر خالطته ، والشيع الفرق ، وكل فرقة شيعة على حدة ، وشيعة فلان تبعته ، والتشيع الاتباع على وجه التدين والولاء ، انتهى.
وعلى هذا فالمراد بقوله : « أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً » أن يضرب البعض بالبعض ويخلط