قوله تعالى : « أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ » ظاهره أنه أريد به التحزبات التي نشأت بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، فأدى ذلك إلى حدوث مذاهب متنوعة ألبست لباس العصبية والحمية الجاهلية واستتبعت حروبا ومقاتل يستبيح كل فريق من غيره كل حرمة ويطرده بمزعمته من حرمة الدين وبيضة الإسلام.
وعلى هذا فقوله : « أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ » إلخ ، عذاب واحد لا عذابان وإن أمكن بوجه عد كل من إلقاء التفرق في الكلمة وإذاقة البعض بأس بعض عذابا مستقلا برأسه فللتفرقة بين الأمة أثر سوء آخر وهو طرو الضعف ونفاد القوة وتبعض القدرة لكن المأخوذ في الآية المعدود عذابا أعني قوله : « وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ » إلخ ، حينئذ بالنسبة إلى مجرد إلقاء الاختلاف بمنزلة المقيد بالنسبة إلى المطلق ، ولا يحسن مقابلة المطلق بالمقيد إلا بعناية زائدة في الكلام ، على أن العطف بواو الجمع يؤيد ما ذكرناه.
فبالجملة معنى الآية : قل يا رسول الله مخاطبا لهم منذرا لهم عاقبة استنكافهم عن الاجتماع تحت لواء التوحيد واستماع دعوة الحق إن لشأنكم هذا عاقبة سيئة في قدرة الله سبحانه أن يأخذكم بها وهو أن يبعث عليكم عذابا لا مفر لكم منه ولا ملاذ تلوذون به وهو العذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم ، أو أن يضرب بعضكم ببعض فتكونوا شيعا وفرقا مختلفين متنازعين ومتحاربين فيذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تمم البيان بقوله خطابا لنبيه : ( انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ » قوم النبي صلىاللهعليهوآله هم قريش أو مضر أو عامة العرب والمستفاد من فحوى بعض كلامه تعالى في موارد أخر أن المراد بقومه صلىاللهعليهوآله هم العرب كقوله : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ، كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ، فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ » : ( الشعراء : ٢٠٢ ) وقوله : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ » : ( إبراهيم : ٤ ).
وكيف كان فقوله : « وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ » بمنزلة التمهيد لتحقيق النبإ الذي يتضمنه الإنذار السابق كأنه قيل : يا أيتها الأمة اجتمعوا في توحيد ربكم واتفقوا في اتباع كلمة الحق وإلا فلا مؤمن يؤمنكم عذابا يأتيكم من فوق أو من تحت أو من اختلاف