حَدِيثٍ غَيْرِهِ » للدلالة على أن المنهي عنه ليس مطلق مجالستهم والقعود معهم ، ولو كان لغرض حق ، وإنما المنهي عنه مجالستهم ما داموا مشتغلين بالخوض في آيات الله سبحانه.
ومن هنا يظهر أن في الكلام نوعا من إيجاز الحذف فإن تقدير الكلام : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا يخوضون فيها فأعرض عنهم « إلخ » ، فحذفت الجملة المماثلة للصلة استغناء بها عنها ، والمعنى ـ والله أعلم ـ وإذا رأيت أهل الخوض والاستهزاء بآيات الله يجرون على خوضهم واستهزائهم بالآيات الإلهية فأعرض عنهم ولا تدخل في حلقهم حتى يخوضوا في حديث غيره فإذا دخلوا في حديث غيره فلا مانع يمنعك من مجالستهم ، والكلام وإن وقع في سياق الاحتجاج على المشركين لكن ما أشير إليه من الملاك يعممه فيشمل غيرهم كما يشملهم ، وقد وقع في آخر الآية قوله : « فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » فالخوض في آيات الله ظلم والآية إنما نهت عن مشاركة الظالمين في ظلمهم ، وقد ورد في مورد آخر من كلامه تعالى : « إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » : ( النساء : ١٤٠ ).
فقد تبين : أن الآية لا تأمر بالإعراض عن الخائضين في آيات الله تعالى بل إنما تأمر بالإعراض عنهم إذا كانوا يخوضون في آيات الله ما داموا مشتغلين به.
والضمير في قوله : « غَيْرِهِ » راجع إلى الحديث الذي يخاض فيه في آيات الله باعتبار أنه خوض وقد نهي عن الخوض في الآية.
قوله تعالى : « وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » و « إِمَّا » في قوله : « إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ » زائد يفيد نوعا من التأكيد أو التقليل والنون للتأكيد ، والأصل وإن ينسك ، والكلام في مقام التأكيد والتشديد للنهي أي حتى لو غفلت عن نهينا بما أنساكه الشيطان ثم ذكرت فلا تهاون في القيام عنهم ولا تلبث دون أن تقوم عنهم فإن الذين يتقون ليس لهم أي مشاركة للخائضين اللاعبين بآيات الله المستهزئين بها.
والخطاب في الآية للنبي صلىاللهعليهوآله والمقصود غيره من الأمة فقد تقدم في البحث عن عصمة الأنبياء عليهمالسلام ما ينفي وقوع هذا النوع من النسيان ـ وهو نسيان حكم إلهي ومخالفته عملا بحيث يمكن الاحتجاج بفعله على غيره والتمسك به نفسه ـ عنهم عليهالسلام.
ويؤيد ذلك عطف الكلام في الآية التالية إلى المتقين من الأمة حيث يقول : « وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » إلى آخر الآية.