من خصوص معصية الخوض في آيات الله ، أو المراد بالتقوى الأول أصل التقوى وبالثاني تمامه ، أو الأول إجمال التقوى والثاني تفصيله بفعلية الانطباق على كل مورد ومنها مورد الخوض في آيات الله ، وهاهنا معنى آخر وهو أن يكون المراد بالأول تقوى المؤمنين وبالتقوى الثاني تقوى الخائضين وتقدير الكلام ولكن ذكروا الخائضين ذكرى لعلهم يتقون الخوض.
وثالثا : أن قوله : ذكرى مفعول مطلق لفعل مقدر والتقدير ولكن نذكرهم بذلك ذكرى أو ذكروهم ذكرى أو خبر لمبتدإ محذوف والتقدير : ولكن هذا الأمر ذكرى أو مبتدأ لخبر محذوف والتقدير : ولكن عليك ذكراهم وأوسط الوجوه أسبقها إلى الذهن.
قوله تعالى : « وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً » إلى آخر الآية ، قال الراغب : البسل ضم الشيء ومنعه ولتضمنه لمعنى الضم أستعير لتقطيب الوجه فقيل : هو باسل ومبتسل الوجه ، ولتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن بسل ، وقوله تعالى : ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ ) ، أي تحرم الثواب ، والفرق بين الحرام والبسل أن الحرام عام فيما كان ممنوعا منه بالحكم والقهر ، والبسل هو المنوع منه بالقهر قال عز وجل : « أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا » أي حرموا الثواب ، انتهى.
وقال في المجمع ، يقال : أبسلته بجريرته أي أسلمته ، والمستبسل المستسلم الذي يعلم أنه لا يقدر على التخلص ـ إلى أن قال ـ قال الأخفش : تبسل أي تجازى ، وقيل : تبسل أي ترهن والمعاني متقاربة ، انتهى.
والمعنى : « واترك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا » عد تدينهم بما يدعوهم إليه هوى أنفسهم لعبا وتلهيا بدينهم ، وفيه فرض دين حق لهم وهو الذي دعتهم إليه فطرتهم فكان يجب عليهم أن يأخذوا به أخذ جد ويتحرزوا به عن الخلط والتحريف ولكنهم اتخذوه لعبا ولهوا يقلبونه كيف شاءوا من حال إلى حال ويحولونه حسب ما يأمرهم به هوى أنفسهم من صورة إلى صورة.
ثم عطف على اتخاذهم الدين لعبا ولهوا قوله : « وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا » لما بينهما من الملازمة لأن الاسترسال في التمتع من لذائذ الحياة المادية والجد في اقتنائها يوجب الإعراض عن الجد في الدين الحق والهزل واللعب به.