فهذه الأسماء والنعوت تبين بأتم البيان أن الجميع محشورون إليه وأن هداه هو الهدى ودين الفطرة الذي أمر به هو الدين الحق فإنه تعالى خلق العالم لغاية مطلوبة أرادها منه وهو الرجوع إليه ، وإذ كان يريدها فسيقول لها كن فيكون لأن قوله حق لا مرد له ، ويظهر اليوم أن الملك له لا سلطنة لشيء غيره على شيء ، وعند ذلك يتميز بتمييزه من أطاعه ممن عصاه لأنه يعلم كل غيب وشهادة عن حكمة وخبرة.
وقد بان مما تقدم أولا : أن قوله : « بِالْحَقِ » أريد به أن خلق السماوات والأرض خلق حق أي إن الحق وصفه ، وقد تقدم قريبا معنى كون فعله وقوله تعالى حقا ، وأما ما قيل : إن المعنى خلق السماوات والأرض بالقول الحق فبعيد.
وثانيا : أن ظاهر قوله : « وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ » بدلالة السياق بيان لأمر يوم القيامة وإن كان الأمر في خلق جميع الأشياء على هذه الطريقة.
وثالثا : أن اختصاص نفخ الصور من بين أوصاف القيامة بالذكر في قوله : « وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ » للإشارة إلى معنى الإحضار العام الذي هو المناسب لبيان قوله في ذيل الآية السابقة : « وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » فإن الحشر هو إخراج الناس وتسييرهم مجتمعين بنوع من الإزعاج ، والصور إنما ينفخ فيه لاجتماع أفراد العسكر لأمر يهمهم ، ولذلك ينفخ الصور أعني النفخة الثانية يوم القيامة ليحضروا عرصة المحشر لفصل القضاء قال تعالى : « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ـ إلى أن قال ـ إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ. فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » : ( يس : ٥٤ ).
وليس اليوم في الموضعين بمعنى واحد فاليوم الأول أريد به مطلق الظرف كالظرف ليوم القيامة بنوع من العناية الكلامية كقولنا : يوم خلق الله الحركة وحين خلق الله الأيام والليالي وإنما اليوم من فروع الحركة متفرع عليه ، والحين هو اليوم والليل ، والمراد باليوم الثاني نفس يوم القيامة.