فلقوله تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » إطلاق من حيث الظلم لكنه إطلاق يختلف باختلاف مراتب الإيمان وإذ كان المقام مقام محاجة المشركين انطبق الظلم المنفي على ظلم الشرك فحسب والأمن الذي يعطيه هذا الإيمان هو الأمن مما يخاف منه من الشقاء المؤبد والعذاب المخلد ، والآية مع ذلك آية مستقلة من حيث البيان مع قطع النظر عن خصوصية المورد تفيد أن الأمن والاهتداء إنما يترتب على الإيمان بشرط انتفاء جميع أنحاء الظلم الذي يلبسه ويستر أثره بالمعنى الذي تقدم بيانه.
وأما الإيمان المذكور في الآية ففيه إطلاق والمراد به الإيمان بالربوبية الصالح للتقيد بما يصلحه أو يفسده ثم إذا قيد بقوله : « وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » أفاد الإيمان بربوبية الله سبحانه ورفض غيره من شركائهم فإن إبراهيم عليهالسلام ذكر فيما تحكي عنه الآية السابقة أن قولهم بربوبية شركائهم وإيمانهم بها مع كونها من خلق الله قول بما لا دليل لهم عليه من جانب الله ولا سلطان وأنهم بإيمانهم بشركائهم يتوقون شرا ويستأمنون شقاء ليس لها أن تدفعها لأنها لا تضر ولا تنفع ، وأما هو عليهالسلام فقد خاف وآمن بمن هو فاطره وهو المتصرف بالهداية والمدبر الذي له في كل أمر إرادة ومشية لسعة علمه ، ثم سألهم : أي الفريقين أحق بالأمن والناجح بالإيمان بالرب ، ولكل من الفريقين إيمان بالرب ، وإن اختلفا من جهة الرب ، والذي آمنوا به بين مؤمن برب على ربوبيته دليل ، ومؤمن برب لا دليل على ربوبيته بل الدليل على خلافه.
ومن هنا يظهر أن المراد بالإيمان في قوله : « الَّذِينَ آمَنُوا » مطلق الإيمان بالربوبية ثم بتقيده بقوله : « وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » يتعين في الإيمان بالله سبحانه الذي هو حق الإيمان فافهم.
فقد اتضح بما تقدم أولا : أن المراد بالإيمان هو الإيمان بالربوبية دون الإيمان بوجود صانع العالم خلافا لمنكري وجوده.
وثانيا : أن الظلم في الآية مطلق ما يضر الإيمان ويفسده من المعاصي ، وكذا المراد بالأمن مطلق الأمن من شقاء المعاصي والذنوب ، وبالاهتداء مطلق التخلص من ضلالها وإن انطبق بحسب المورد على معصية الشرك خاصة.
وثالثا : أن إطلاق الظلم يختلف بحسب اختلاف مراتب الإيمان.