وليت شعري كيف ترضى نفس باحث ناقد أو تجوز أن ينطبق مثل قوله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا » : ( مريم : ٤١ ) على رجل كذاب يستريح إلى كذب القول كلما ضاقت عليه المذاهب؟ أو كيف يمدح الله بتلك المدائح الكريمة رجلا لا يراقب الله سبحانه في حق أو صدق ( حاشا ساحة خليل الله عن ذلك ).
وأما الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهالسلام فإنها تصدق التوراة في أصل القصة غير أنها تجل إبراهيم عليهالسلام عما نسب إليه من الكذب وسائر ما لا يلائم قدس ساحته ، ومن أجمع ما يتضمن قصة الخليل (ع) ما في الكافي ، عن علي عن أبيه وعدة من أصحابنا عن سهل جميعا عن ابن محبوب عن إبراهيم بن زيد الكرخي قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إن إبراهيم عليهالسلام كان مولده بكوثار (١) وكان أبوه من أهلها ، وكانت أم إبراهيم وأم لوط عليهالسلام وسارة ـ وورقة ـ وفي نسخة رقبة ـ أختين وهما ابنتان للاحج ، وكان لاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا.
وكان إبراهيم عليهالسلام في شبيبته على الفطرة ـ التي فطر الله عز وجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وأنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته ـ وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة ـ وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه ـ فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية ـ والزرع ـ حتى لم يكن بأرض كوثاريا رجل أحسن حالا منه.
وإن إبراهيم عليهالسلام لما كسر أصنام نمرود وأمر به نمرود ـ فأوثق وعمل له حيرا (٢) وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ـ ثم قذف إبراهيم عليهالسلام في النار لتحرقه ـ ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ـ ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليهالسلام سليما ـ مطلقا من وثاقه فأخبر نمرود خبره ـ فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليهالسلام من بلاده ، وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله ـ فحاجهم إبراهيم عليهالسلام عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم ـ أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم ، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليهالسلام ـ أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليهالسلام ـ ما ذهب من عمره في بلادهم ، وأخبر بذلك نمرود
__________________
(١) كانت قرية من أعمال الكوفة وضبطه الجزري كوثي.
(٢) الحير مخفف الحائر وهو الحائط.