الإلهي الذي هو قيم على المجتمع الإنساني هو الذي تهدي إليه الفطرة وتميل إليه الخلقة البشرية بحسب ما تحس بحوائجها الوجودية ، وتلهم بما يسعدها فيها من الاعتقاد والعمل ، وبتعبير آخر من المعارف والأخلاق والأعمال.
وهذا أمر لا يتغير ولا يتبدل لأنه مبني على الفطرة التكوينية التي لا سبيل للتغير والتبدل إليها فلا يختلف بحسب الأحوال والأزمان بأن يدعو إلى السعادة الإنسانية في حال دون حال أو في زمان دون زمان ، ولا بحسب الأجزاء بأن يزاحم بعض أحكام الدين الحنيف بعضه الآخر بتناقض أو تضاد أو أي شيء آخر يؤدي إلى إبطال بعضها بعضا فإن الجميع ترتضع من ثدي التوحيد الذي يعدلها أحسن تعديل كما أن القوى البدنية إذا تنافت أو أراد بعضها أن يطغى على بعض فإن هناك حاكما مدبرا يدبر كلا على حسب ما له من الوزن والتأثير في تقويم الحياة الإنسانية.
ولا بحسب الأشخاص فإن المهتدين بهذه الهداية القيمة الفطرية لا يختلف مسيرهم ، ولا يدعو آخرهم إلا إلى ما دعا إليه أولهم وإن اختلفت دعوتهم بالإجمال والتفصيل بحسب اختلاف أعصار الإنسانية تكاملا ورقيا كما قال تعالى : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ » ( آل عمران : ١٩ ) وقال : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » ( الشورى : ١٣ ).
ولا بحسب المقصد والغاية فإنه التوحيد الذي يئول إليه شتات المعارف الدينية والأخلاق الفاضلة والأحكام الشرعية قال تعالى : « إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » : ( الأنبياء : ٩٢ ) وقال : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ » : ( الأنبياء : ٢٥ ).
وقد ظهر بما تقدم معنى قوله تعالى : « وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وقد نكر الصراط من غير أن يذكر على طريق العهد كما في قوله : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » : ( الحمد : ٧ ) لتتوجه عناية الذهن إلى اتصافه بالاستقامة ـ والاستقامة في الشيء كونه على وتيرة واحدة في صفته وخاصته ـ فالصراط الذي هدوا إليه صراط لا اختلاف فيه في جهة من الجهات ولا حال من الأحوال لما أنه صراط مبني على الفطرة كما أن الفطرة الإنسانية وهي نوع خلقته وكونه لا تختلف من حيث إنها خلقة إنسانية في الهداية والاهتداء إلى مقاصد الإنسان التكوينية.
فهؤلاء المهديون إلى مستقيم الصراط في أمن إلهي من خطرات السير وعثرات