وقال : « وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » : ( البقرة : ١١٧ ) ومنه يوجه قوله : « قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ » : ( المؤمن : ٤٨ ).
وإن كان في تشريع أفاد معنى التقنين والحكم المولوي قال تعالى : « وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ » : ( المائدة : ٤٣ ) وقال : « وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً » المائدة : ٥٠ ).
وإذا نسب إلى الأنبياء عليهمالسلام أفاد معنى القضاء وهو من المناصب الإلهية التي أكرمهم بها قال تعالى : ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) » ( المائدة : ٤٨ ) وقال تعالى : « أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ » : ( الأنعام : ٨٩ ).
ولعل في بعض الآيات إشعارا أو دلالة على إيتائهم الحكم بمعنى التشريع كما في قوله حكاية عن إبراهيم عليهالسلام في دعائه : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » : ( الشعراء : ٨٣ ).
وأما غير الأنبياء من الناس فنسب إليهم الحكم بمعنى القضاء كما في قوله : « وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ » : ( المائدة : ٤٧ ) والحكم بمعنى التشريع وقد ذمهم الله عليه كما في قوله : « وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا ـ إلى أن قال ـ ساءَ ما يَحْكُمُونَ » : ( الأنعام : ١٣٦ ) وقوله « وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ » : ( هود : ٤٥ ) والآية بحسب موردها يشمل الحكم بمعنى إنجاز الوعد وإنفاذ الحكم.
قوله تعالى : « فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ » الضميران في قوله : « يَكْفُرْ بِها » وقوله : « وَكَّلْنا بِها » راجعان إلى الهدى ويجوز فيه التذكير والتأنيث من جهة أنه هداية ، أو راجعان إلى الكتاب والحكم والنبوة التي هي من آثار الهداية الإلهية ، ولا يخلو أول الوجهين عن بعد ، والمشار إليه بقوله : « هؤُلاءِ » الكافرون بالدعوة من قوم النبي صلىاللهعليهوآله والمتيقن منهم بحسب مورد الآية كفار مكة الذين أشار الله سبحانه إليهم بقوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » : ( البقرة : ٦ ).
والمعنى على الوجه الأول : فإن يكفر مشركو قومك بهدايتنا وهي طريقتنا فقد وكلنا بها من عبادنا من ليس يكفر بها ، والكفر والإيمان يتعلقان بالهداية وخاصة إذا كانت