مصالح مملكته حتى ينظمه نظما ربما يفسد من نفسه ولا يدوم بطبعه.
قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها » إلى آخر الآية. المعنى واضح والمراد بتفصيل الآيات إما تفصيلها بحسب الجعل التكويني أو تفصيلها بحسب البيان اللفظي.
ولا تنافي بين إرادة مصالح الإنسان في حياته وعيشته في هذه النشأة مما يتراءى لظاهر الحس من حركات هذه الأجرام العظيمة العلوية والكرات المتجاذبة السماوية ، وبين كون كل من هذه الأجرام مرادا بإرادة إلهية مستقلة ومخلوقة بمشية تتعلق بنفسه وتخص شخصه فإن الجهات مختلفة ، وتحقق بعض هذه الجهات لا يدفع تحقق بعض آخر والارتباط والاتصال حاكم على جميع أجزاء العالم.
قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » إلى آخر الآية ، قرئ « فَمُسْتَقَرٌّ » بفتح القاف وكسرها وهو على القراءة الأولى اسم مكان بمعنى محل الاستقرار فيكون « مُسْتَوْدَعٌ » أيضا اسم مكان بمعنى محل الاستيداع وهو المكان الذي توضع فيه الوديعة. وقد وقع ذكر المستقر والمستودع في قوله تعالى : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » : « هود : ٦ » وفي الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير : فمنكم من هو في مستقر ومنكم من هو في مستودع ، وعلى القراءة الثانية وهي الرجحى « فَمُسْتَقَرٌّ » اسم فاعل ويكون المستودع اسم مفعول لا محالة ، والتقدير فمنكم مستقر ومنكم مستودع لم يستقر بعد.
والظاهر أن المراد بقوله : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » انتهاء الذرية الإنسانية على كثرتها وانتشارها إلى آدم الذي يعده القرآن الكريم مبدأ للنسل الإنساني الموجود ، وأن المراد بالمستقر هو البعض الذي تلبس بالولادة من أفراد الإنسان فاستقر في الأرض التي هي المستقر لهذا النوع كما قال تعالى : « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » : ( البقرة : ٣٦ ) والمراد بالمستودع من استودع في الأصلاب والأرحام ولم يولد بعد وسيولد بعد حين فهذا هو المناسب لمقام بيان الآية بإنشاء جميع الأفراد النوعية من فرد واحد ومن الممكن أن يؤخذ مستقر ومستودع مصدرين ميميين.
وقد عبر بلفظ الإنشاء دون الخلق ونحوه وهو ظاهر في الدفعة وما في حكمه دون