هذا اللفظ أعني قوله تعالى : « خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » منه تعالى في كلامه من غير أن يوجد فيه ما يصلح لتخصيصه بوجه من الوجوه قال تعالى : « قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » : ( الرعد : ١٦ ) وقال تعالى : « اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » : ( الزمر : ٦٢ ) و. قال تعالى « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » : ( المؤمن : ٦٢ ).
وقد نشبت بين الباحثين من أهل الملل في هذه المسألة مشاجرات عجيبة يتبعها أقاويل مختلفة حتى من المتكلمين والفلاسفة من النصارى واليهود فضلا عن متكلمي الإسلام وفلاسفته ، ولا يهمنا المبادرة إلى إيراد أقوالهم وآرائهم والتكلم معهم ، وإنما بحثنا هذا قرآني تفسيري لا شغل لنا بغير ما يتحصل به الملخص من نظر القرآن الكريم بالتدبر في أطراف آياته الشريفة.
نجد القرآن الكريم يسلم ما نتسلمه من أن الموضوعات الخارجية والأشياء الواقعة في دار الوجود كالسماء وكواكبها ونجومها والأرض وجبالها ووهادها وسهلها وبحرها وبرها وعناصرها ومعدنياتها والسحاب والرعد والبرق والصواعق والمطر والبرد والنجم والشجر والحيوان والإنسان لها آثار وخواص هي أفعالها وهي تنسب إليها نسبة الفعل إلى فاعله والمعلول إلى علته.
ونجده يصدق أن للإنسان كسائر الأنواع الموجودة أفعالا تستند إليه وتقوم به كالأكل والشرب والمشي والقعود وكالصحة والمرض والنمو والفهم والشعور والفرح والسرور من غير أن يفرق بينه وبين غيره من الأنواع في شيء من ذلك فهو يخبر عن أعماله ويأمره وينهاه ، ولو لا أن له فعلا لم يرجع شيء من ذلك إلى معنى محصل. فالقرآن يزن الواحد من الإنسان بعين ما نزنه نحن معشر الإنسان في مجتمعنا فنعتقد أن له أفعالا وآثارا منسوبة إليه نؤاخذه في بعض أفعاله التي ترجع بنحو إلى اختياره كالأكل والشرب والمشي ونصفح عنه فيما لا يرجع إلى اختياره من آثاره القائمة به كالصحة والمرض والشباب والمشيب وغير ذلك.
فالقرآن ينظم النظام الموجود مثل ما ينتظم عند حواسنا وتؤيده عقولنا بما شفعت به من التجارب ، وهو أن أجزاء هذا النظام على اختلاف هوياتها وأنواعها فعالة