كل شيء ، وأن له ما في السماوات والأرض وما ظهر وما بطن ، وكيف يستقيم شيء من هذه التعاليم الإلهية المنبئة عن توحيده في ربوبيته مع وجود ما لا يحصى من مخلوقات غيره خلال مخلوقاته.
الثانية : أن القرآن الكريم إذ ينسب خلق كل شيء إليه تعالى ويحصر العلة الفاعلة فيه كان لازمه إبطال رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء فلا مؤثر في الوجود إلا الله ، وإنما هي عادته تعالى جرت أن يخلق ما نسميه معلولا عقيب ما نسميه علة من غير أن تكون بينهما رابطة توجب وجود المعلول منهما عقيب العلة فالنار التي تستعقب الحرارة نسبتها إلى الحرارة والبرودة على السواء ، والحرارة نسبتها إلى النار والثلج على السواء غير أن عادة الله جرت أن يخلق الحرارة عقيب النار والبرودة بعد الثلج من غير أن يكون هناك إيجاب واقتضاء بوجه أصلا.
وهذا النظر يبطل قانون العلية والمعلولية العام الذي عليه المدار في القضاء العقلي وببطلانه ينسد باب إثبات الصانع ولا تصل النوبة مع ذلك إلى كتاب إلهي يحتج به على بطلان رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء ، وكيف يسع أن يبطل القرآن الشريف حكما صريحا عقليا ويعزل العقل عن قضائه؟ وإنما تثبت حقيته وحجيته بالحكم العقلي والقضاء الوجداني ، وهو إبطال النتيجة لدليلها الذي لا يؤثر إلا إبطال النتيجة لنفسها.
وهؤلاء إنما وقعوا فيما وقعوا من جهة خلطهم بين العلل الطولية والعرضية وإنما يستحيل توارد العلتين على شيء إذا كانتا في عرض واحد لا إذا كانت إحداهما في طول الأخرى ، مثال ذلك أن العلة التامة لوجود النار كما توجب وجود النار كذلك توجب وجود الحرارة ولا يجتمع مع ذلك في الحرارة إيجابان ولا تعمل فيها علتان تامتان مستقلتان بل علة معلولة لعلة.
وبتقريب آخر أدق : منشأ الخطإ هو عدم التمييز بين الفاعل بمعنى ما منه والفاعل بمعنى ما به ولاستقصاء القول في المسألة محل آخر.
الثالثة : وهي قريبة المأخذ من الثانية أنهم لما وجدوا أنه تعالى ينسب خلق كل شيء إلى نفسه ، وهو تعالى مع ذلك يسلم وجود رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء أنفسها حسبوا أن ما له علة ظاهرة معلومة من الأشياء فهي العلة له دونه تعالى وإلا لزم اجتماع