ويجري على ما يحكم عليه من الأحكام ويشرعه من الشرائع فيأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه ، وهو قوله تعالى : « وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ».
ثم إذا استقر الإيمان على كماله في القلب ، استوجب ذلك أن ينعطف العبد بالعبودية إلى ربه ، وينصب نفسه في مقام العبودية وإخلاص الخضوع وهو الصلاة ، وهي أمر بينه وبين ربه ، وأن يقوم بحاجة المجتمع في نواقص مساعيهم بالإنفاق على الفقراء مما رزقه الله من مال أو علم أو غير ذلك ، وهو أمر بينه وبين سائر أفراد مجتمعة ، وهو قوله تعالى : « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ».
وقد ظهر مما تقدم أن قوله تعالى : « زادَتْهُمْ إِيماناً » إشارة إلى الزيادة من حيث الكيفية وهو الاشتداد والكمال ، دون الكمية وهي الزيادة من حيث عدد المؤمنين كما احتمله بعض المفسرين.
قوله تعالى : « أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » قضاء منه تعالى بثبوت الإيمان حقا فيمن اتصف بما عده تعالى من الصفات الخمس ، ولذلك أطلق ما ذكره لهم من كريم الأجر في قوله : « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » الآية فلهؤلاء من صفات الكمال وكريم الثواب وعظيم الأجر ما لكل مؤمن حقيقي.
وأما قوله : « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » فالمغفرة هي الصفح الإلهي عند ذنوبهم ، والرزق الكريم ما يرتزقون به من نعم الجنة ، وقد أراد الله سبحانه بالرزق الكريم الجنة ونعمها في مواضع من كلامه ، كقوله تعالى : « فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ » الحج : ٥١ وغير ذلك.
وبذلك يظهر أن المراد بقوله : « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » مراتب القرب والزلفى ودرجات الكرامة المعنوية ، وهو كذلك. فإن المغفرة والجنة من آثار مراتب القرب من الله سبحانه وفروعه البتة.
والذي يشتمل عليه الآية من إثبات الدرجات لهؤلاء المؤمنين ، هو ثبوت جميع الدرجات لجميعهم ، لا ثبوت جميعها لكل واحد منهم فإنها من لوازم الإيمان ، والإيمان مختلف ذو مراتب فالدرجات الموهوبة بإزائه كذلك لا محالة ، فمن المؤمنين من له