أما قوله : مع استفاضة الأخبار بوجوب تبليغ الدين على المسلمين كافة إلى آخر ما قال فيكشف عن أنه لم يحصل معنى كلمة الوحي : « لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » حق التحصيل ، ولم يفرق بين قولنا : « لا يؤدي منك إلا رجل منك » وبين قوله : « لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » فزعم أن الكلام بإطلاقه يمنع عن كل تبليغ ديني يتصداه غير النبي صلىاللهعليهوآله أو رجل منه فدفع ذلك باستفاضة الأخبار بوجوب تبليغ الدين على المسلمين كافة وقيد به إطلاق قوله : « لا يؤدي عنك » إلخ فجعله خاصا بتبليغ نبذ العهد بعد تحويل الحكم الإلهي إلى سنة عربية جاهلية.
وقد ساقه اشتباه معنى الكلمة إلى أن زعم أن إبقاء الكلام على إطلاقه منشؤه الغفلة عن أمر هو كالضروري عند عامة المسلمين أعني وجوب التبليغ العام حتى استدل على ذلك بما في الصحيحين وغيرهما من قوله صلىاللهعليهوآله : « فليبلغ الشاهد الغائب » ، وقد عرفت ما هو حق المعنى لكلمة الوحي.
وأما قوله : « بل زعم بعضهم كما قيل إنه عزل أبا بكر من إمارة الحج وولاها عليا وهذا بهتان صريح مخالف لجميع الروايات في مسألة عملية عرفها العام والخاص » فليس ذلك زعما من البعض ولا بهتانا كما بهته بل رواية روتها الشيعة وقد أوردناها في ضمن الروايات المتقدمة.
وليس التوغل في مسألة الإمارة مما يهمنا في تفهم معنى قوله : « لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » فإمارة الحاج سواء صحت لأبي بكر أو لعلي ، دلت على فضل أو لم تدل إنما هي من شعب الولاية الإسلامية العامة التي شأنها التصرف في أمور المجتمع الإسلامي الحيوية ، وإجراء الأحكام والشرائع الدينية ، ولا حكومة لها على المعارف الإلهية ومواد الوحي النازلة من السماء في أمر الدين.
إنما هي ولاية رسول الله صلىاللهعليهوآله ينصب يوما أبا بكر أو عليا لإمارة الحاج ، ويؤمر يوما أسامة على أبي بكر وعامة الصحابة في جيشه ، ويولي يوما ابن أم مكتوم على المدينة وفيها من هو أفضل منه ، ويولي هذا مكة بعد فتحها ، وذاك اليمن ، وذلك أمر الصدقات ، وقد استعمل صلىاللهعليهوآله أبا دجانة الساعدي أو سباع بن عرفطة الغفاري على ما في سيرة ابن هشام على المدينة عام حجة الوداع ، وفيها أبو بكر لم يخرج إلى الحج على ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم وإنما تدل على إذعانه صلىاللهعليهوآله بصلاحية من نصبه لأمر لتصديه وإدارة رحاه.