وأما الوحي السماوي بما يشتمل عليه من المعارف والشرائع فليس للنبي صلىاللهعليهوآله ولا لمن دونه صنع فيه ولا تأثير فيه مما له من الولاية العامة على أمور المجتمع الإسلامي بإطلاق أو تقييد أو إمضاء أو نسخ أو غير ذلك ، ولا تحكم عليه سنة قومية أو عادة جارية حتى توجب تطبيقه على ما يوافقها أو قيام العصبة مقام الإنسان فيما يهمه من أمر.
والخلط بين البابين يوجب نزول المعارف الإلهية من أوج علوها وكرامتها إلى حضيض الأفكار الاجتماعية التي لا حكومة فيها إلا للرسوم والعادات والاصطلاحات ، فيعود الإنسان يفسر حقائق المعارف بما يسعه الأفكار العامية ويستعظم ما استعظمه المجتمع دون ما عظمه الله ، ويستصغر ما استصغره الناس حتى يقول القائل في معنى كلمة الوحي أنه عادة عربية محترمة.
وأنت إذا تأملت هذه القصة ـ أخذ آيات براءة من أبي بكر وإعطاءها عليا على ما تقصها الروايات ـ وجدت فيها من مساهلة الرواة وتوسعهم في حفظ القصة بما لها من الخصوصيات ـ إن لم يستند إلى غرض آخر ـ أمرا عجيبا ففي بعضها ـ وهو الأكثر ـ أنه صلىاللهعليهوآله بعث أبا بكر بالآيات ثم بعث عليا وأمره أن يأخذها منه ويتلوها على الناس فرجع أبو بكر إلخ ، وفي بعضها أنه بعث أبا بكر بإمارة الحج ثم بعث عليا بعده بآيات براءة وفي بعضها : أن أبا بكر أمره بالتبليغ وأمر بعض الصحابة أن يشاركه في النداء حتى آل الأمر إلى مثل ما رواه الطبري وغيره عن مجاهد في قوله تعالى : « بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد وغيرهم. أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ثم قال : إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها وبالموسم كله فأذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات : عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الأول (١) ثم عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا.
وإذا كان هذا هو الحال فما معنى قوله : « بهتان صريح مخالف لجميع الروايات
__________________
(١) كذا