تابعا لأبي بكر في إمارته إلى آخر ما قال فلا ريب أن الذي بعث به النبي صلىاللهعليهوآله عليا من الأحكام كان أمرا خاصا وهو تلاوة آيات براءة وسائر ما يلحق بها من الأمور الأربعة المتقدمة غير أن الكلام في أن كلمة الوحي : « لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » لا تختص في دلالتها بتأدية آيات براءة على ما تقدم بيانه فلا ينبغي الخلط بين ما يدل عليه الكلمة وبين ما أمر به علي في خصوص تلك السفرة.
وأما قوله : وكان في تلك الحجة تابعا « إلخ » فأمر استفادة من كلام أبي هريرة وما يشبه ، وقد عرفت الكلام فيه.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس ( رضي الله عنه ) قال : بعث النبي صلىاللهعليهوآله ببراءة مع أبي بكر ( رضي الله عنه ) ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا ـ إلا رجل من أهلي فدعا عليا فأعطاه إياه.
أقول : ذكر صاحب المنار في بعض كلامه : أن قوله صلىاللهعليهوآله : « أو رجل مني في رواية السدي قد فسرتها الروايات الأخرى عند الطبري وغيره بقوله (ص) : « أو رجل من أهل بيتي » وهذا النص الصريح يبطل تأويل كلمة « مني » بأن معناها أن نفس علي كنفس رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنه مثله وأنه أفضل من كل أصحابه ـ انتهى ـ.
والذي أشار إليه من الروايات هو ما رواه قبلا بقوله : وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوآله بعث ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال : لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي.
وهذه بعينها ـ على ما لا يخفى ـ هي الرواية السابقة التي أوردناها عن أنس ، وقد وقع فيها « أو رجل من أهلي » وإن اختلف لفظا الروايتين بما عملت فيهما يد النقل بالمعنى.
وأول ما في كلامه : أن اللفظ : « أو رجل مني » لم يقع إلا في رواية واحدة موقوفة هي رواية السدي التي استضعفها قبيل ذلك بل الأصل في ذلك كلمة الوحي التي أثبتتها معظم الروايات الصحيحة على بلوغ كثرتها ، والروايات الآخر المشتملة على قوله : « من أهل بيتي » وهو يستكثرها إنما هي رواية أنس ـ على ما عثرنا عليها ـ وقد وقع في بعض ألفاظها قوله « من أهلي » مكان « من أهل بيتي ».