فلما أصبحوا عدل رسول الله صلىاللهعليهوآله الصفوف وخطب المسلمين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه ، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ـ فإن الله عظيم شأنه ، يأمر بالحق ، ويحب الصدق ، ويعطي على الخير أهله على منازلهم عنده ـ به يذكرون ، وبه يتفاضلون ، وإنكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحق ـ لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغى به وجهه ، وإن الصبر في مواطن البأس ـ مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم ـ تدركون به النجاة في الآخرة ، فيكم نبي الله يحذركم ويأمركم ـ فاستحيوا اليوم أن يطلع الله على شيء من أمركم ـ يمقتكم عليه فإنه تعالى يقول : ( لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) ـ انظروا في الذي أمركم به من كتابه ، وأراكم من آياته وما أعزكم به بعد الذلة ـ فاستكينوا له يرض ربكم عنكم ، وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمرا ـ تستوجبوا به الذي وعدكم من رحمته ومغفرته ـ فإن وعده حق ، وقوله صدق ، وعقابه شديد ، وإنما أنا وأنتم بالله الحي القيوم ، إليه ألجأنا ظهورنا ، وبه اعتصمنا ، وعليه توكلنا ، وإليه المصير ، ويغفر الله لي وللمسلمين.
وفي المجمع : ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس وغيره : أن جبرائيل قال للنبي صلىاللهعليهوآله يوم بدر ـ خذ قبضة من تراب فارمهم بها ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لما التقى الجمعان لعلي : أعطني قبضة من حصا الوادي ـ فناوله كفا من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم ـ وقال : شاهت الوجوه ـ فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه وفمه ـ ومنخريه منها شيء ـ ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم.
وفي الأمالي ، بإسناده عن ابن عباس قال : وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله على قتلى بدر فقال : جزاكم الله من عصابة شرا ـ لقد كذبتموني صادقا وخونتم أمينا ، ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام فقال : إن هذا أعتى على الله من فرعون ـ إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله ، وإن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى.
وفي المغازي ، للواقدي : وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بدر بالقليب أن تغور ـ ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف ـ فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه ـ فلما