وقوله : « يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا » : المجادلة : ٦ إلى غير ذلك من الآيات وهي كثيرة.
ومنها : قول بعضهم إن المعنى وأوحينا إليه ستخبرهم بما فعلوا بك وهم لا يشعرون بهذا الوحي. وهذا الوجه غير بعيد لكن الشأن في بيان نكتة لتقييد الكلام بهذا القيد ولا حاجة إليه ظاهرا.
ومنها : قول بعضهم : إن معنى الآية لتخبرنهم برقي حياتك وعزتك وملكك بأمرهم هذا إذ يظهرك الله عليهم ويذلهم لك ويجعل رؤياك حقا وهم لا يشعرون يومئذ بما آتاك الله.
وعمدة الفرق بين هذا القول وما قدمناه من الوجه أن في هذا القول صرف الإنباء عن الإنباء الكلامي إلى الإنباء بالحال الخارجي والوضع العيني ، ولا موجب له بعد ما حكاه سبحانه عنه قوله : « هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ » إلخ.
قوله تعالى : « وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ » العشاء آخر النهار ، وقيل : من صلاة المغرب إلى العتمة ، وإنما كانوا يبكون ليلبسوا الأمر على أبيهم فيصدقهم فيما يقولون ولا يكذبهم.
قوله تعالى : « قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ » إلى آخر الآية ، قال الراغب في المفردات ، : أصل السبق التقدم في السير نحو « فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً » والاستباق التسابق وقال : « إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ » « وَاسْتَبَقَا الْبابَ » انتهى ، وقال الزمخشري في الكشاف ، : نستبق أي نتسابق ، والافتعال والتفاعل يشتركان كالانتضال والتناضل والارتماء والترامي وغير ذلك ، والمعنى نتسابق في العدو أو في الرمي. انتهى.
وقال صاحب المنار في تفسيره ، : ( إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ ) أي ذهبنا من مكان اجتماعنا إلى السباق يتكلف كل منا أن يسبق غيره فالاستباق تكلف السبق وهو الغرض من المسابقة والتسابق بصيغتي المشاركة التي يقصد بها الغلب. وقد يقصد لذاته أو لغرض آخر في السبق ، ومنه « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » فهذا يقصد به السبق لذاته لا للغلب ، وقوله الآتي في هذه السورة « وَاسْتَبَقَا الْبابَ » كان يقصد به يوسف الخروج من الدار هربا من حيث تقصد امرأة العزيز باتباعه إرجاعه ، وصيغة المشاركة لا تؤدي هذا المعنى ، ولم يفطن