الزمخشري علامة اللغة ومن تبعه لهذا الفرق الدقيق انتهى.
أقول : والذي مثل به من قوله تعالى : « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » من موارد الغلب فإن من المندوب شرعا أن لا يؤثر الإنسان غيره على نفسه في الخيرات والمثوبات والقربات وأن يتقدم على من دونه في حيازة البركات فينطبق الاستباق حينئذ قهرا على التسابق وكذا قوله تعالى : « وَاسْتَبَقَا الْبابَ » فإن المراد به قطعا أن كلا منها كان يريد أن يسبق الآخر إلى الباب هذا ليفتحه وهذه لتمنعه من الفتح وهو معنى التسابق فالحق أن معنيي الاستباق والتسابق متحدان صدقا على المورد ، وفي الصحاح ، : سابقته فسبقته سبقا واستبقنا في العدو أي تسابقنا. انتهى ، وفي لسان العرب ، : سابقته فسبقته ، واستبقنا في العدو ، أي تسابقنا. انتهى.
ولعل الوجه في تصادق استبق وتسابق أن نفس السبق معنى إضافي في نفسه ، وزنة « افتعل » تفيد تأكد معنى « فعل » وإمعان الفاعل في فعله وأخذه حلية لنفسه كما يشاهد في مثل كسب واكتسب وحمل واحتمل وصبر واصطبر وقرب واقترب وخفي واختفى وجهد واجتهد ونظائرها ، وطرو هذه الخصوصية على معنى السبق على ما به من الإضافة يفيد جهد الفاعل أن يخص السبق لنفسه ولا يتم إلا مع تسابق في المورد.
وقوله : « بِمُؤْمِنٍ لَنا » أي بمصدق لقولنا ، والإيمان يتعدى باللام كما يتعدى بالباء قال تعالى : « فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ » : العنكبوت : ٢٦.
والمعنى ـ أنهم حينما جاءوا أباهم عشاء يبكون ـ قالوا لأبيهم : يا أبانا إنا معشر الإخوة ذهبنا إلى البيداء نتسابق في عدو أو رمي ـ ولعله كان في عدو ـ فإن ذلك أبلغ في إبعادهم من رحلهم ومتاعهم وكان عنده يوسف على ما ذكروا ـ وتركنا يوسف عند رحلنا ومتاعنا فأكله الذئب ، ومن خيبتنا ومسكنتنا أنك لست بمصدق لنا فيما نقوله ونخبر به ولو كنا صادقين فيه.
وقولهم : « وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ » كلام يأتي بمثله المعتذر إذا انقطع عن الأسباب وانسدت عليه طرق الحيلة ، للدلالة على أن كلامه غير موجه عند من يعتذر إليه وعذره غير مسموع وهو يعلم بذلك لكنه مع ذلك مضطر أن يخبر بالحق ويكشف عن الصدق وإن كان غير مصدق فيه ، فهو كناية عن الصدق في المقال.