عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » : ق : ٢٢ وقوله حكاية عن المجرمين : « رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ » : الم السجدة : ١٢ ، وقوله : « وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ـ إلى أن قال ـ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ » : يونس : ٣٠ إن يوم القيامة ظرف يجمع الله فيه العباد ويزيل الستر والحجاب دونهم فيظهر فيه الحقائق ظهورا تاما وينجلي ما هو وراء غطاء الغيب في هذه النشأة وعند ذلك لا يختلج في صدورهم شك أو ريب ، ولا يهجس قلوبهم هاجس ، ويعاينون أن الله هو الحق المبين ، ويشاهدون أن القوة لله جميعا ، وأن الملك والعصمة والأمر والقهر له وحده لا شريك له.
وتسقط الأسباب عما كان يتوهم لها من الاستقلال في نشأة الدنيا وينقطع البين وتزول روابط التأثير التي بين الأشياء وعند ذلك تنتثر كواكب الأسباب وتنطمس نجوم كانت تهتدي به الأوهام في ظلماتها ، ولا تبقى لذي ملك ملك يستقل به ، ولا لذي سلطان وقوة ما يتعزز معه ، ولا لشيء ملجأ وملاذ يلجأ إليه ويلوذ به ويعتصم بعصمته ، ولا ستر يستر شيئا عن شيء ويحجبه دونه ، والأمر كله لله الواحد القهار لا يملك إلا هو (١).
وهذا معنى قوله : « يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ » وقوله : « ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ » وقوله : « يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » إلى غير ذلك من الآيات وهي جميعا تنفي ما تزينه أوهام الناس في هذه النشأة الدنيوية التي ليست إلا لهوا ولعبا إن هذه الأسباب تملك معنى التأثير ، وتتلبس بأوصاف الملك والسلطنة والقوة والعصمة والعزة والكرامة تلبسا حقيقيا استقلاليا ، وأنها هي المعطية والمانعة والنافعة والضارة لا بغية في سواها ولا خير فيما عداها.
ومن هنا يمكن الاستئناس بمعنى قوله. « يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ » وقد تكرر هذا المعنى في آيات أخرى بما يقرب من هذا اللفظ كقوله تعالى : « لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً » : النبأ : ٣٨ ، وقوله : « هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ » :
__________________
(١) وفي هذه الأوصاف آيات كثيرة جداً لا تخفى على الباحث المتدبر في كلامه تعالى.