ولاية الله محبورا بصنائعه الجميلة لا يرد إلا على خير ولا يواجه إلا جميلا.
وهذا هو الذي هون عليه ما نزل به من النوائب ، وتواتر عليه من المحن والبلايا فصبر عليها على ما بها من المرارة فلم يشك ولم يجزع ولم يضل الطريق وقد ذكر ذلك لإخوته حين عرفهم نفسه بقوله : « إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » : الآية ٩٠ من السورة.
فلم يزل يوسف عليهالسلام تنجذب نفسه إلى جميل صنائع ربه ويمعن قلبه في لطيف الإشارات إليه ، ويزداد كل يوم حبا بما يجده من شواهد الولاية ويشاهد أن ربه هو القائم على كل نفس بما كسبت وهو على كل شيء شهيد حتى تمكنت المحبة الإلهية منه واستقر الوله والهيمان في سره فكان همه في ربه لا يشغله عنه شاغل ولا يصرفه عنه صارف ولا طرفة عين ، وهذا بمكان من الوضوح لمن تدبر فيما تحكي عنه السورة من المحاورات كقوله : « مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي » وقوله : « ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ » وقوله : « إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ » وقوله : « أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » وغير ذلك كما سنبين إن شاء الله تعالى.
فهذا ما عند يوسف عليهالسلام فقد كان شبحا ما وراءه إلا محبة إلهية أنسته نفسه وشغلته عن كل شيء ، وصورة معناها أنها خالصة أخلصها الله لنفسه فلم يشاركه فيه أحد.
ولم يظهر للعزيز منه أول يوم إذ حل في بيته إلا أنه غلام صغير عبري مملوك له غير أن قوله لامرأته : « أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً » يكشف أنه شاهد منه وقارا وتمكينا وتفرس فيه عظمة وكبرياء نفسانية أطمعته في أن ينتفع به أو يلحقه بنفسه بالتبني على ما في يوسف من عجيب الجمال والحسن.
امرأة العزيز :
امرأة العزيز وهي عزيزة مصر « وصاها العزيز يوسف أن تكرم مثواه وأعلمها أن له فيه إربة وأمنية فلم تزل تجتهد في إكرام يوسف وتحسن مثواه وتهتم بأمره لا كما يهتم في أمر رقيق مملوك بل كما يعنى بأمر جوهر كريم أو قطعة كبد وتحبه لبديع جماله وغزير كماله وتزداد كلما مضت الأيام حبا إلى حب حتى إذا بلغ الحلم واستوى على مستوى