الرجال لم تملك نفسها دون أن تعشقه وتذل على ما لها من مناعة الملك والعزة وعصمة العفة والخدارة تجاه هواه القاطن بسرها الآخذ بمجامع قلبها.
وقد كان يوسف يلازمها في العشرة ولا يفارق بينها من جانب وكانت عزيزة لا يثني أمرها ولا ترد عزيمتها وكانت فيما تزعم سيدة يوسف وهو عبدها المملوك لا يسعه إلا أن يطيعها وينقاد لها ، ولبيوت الملوك والأعزة أن تحتال لشتى مقاصدها ومآربها بأنواع الحيل والمكايد فإن عامة الأسباب وإن عزت وامتنعت ميسرة لها ، وكانت العزيزة ذات جمال وزينة فإن حريم الملوك لا تدخلها كل شوهاء دميمة ولا تحل بها إلا غوان ذوات حسن فتانات.
والعادة تحكم أن هذه الأسباب ـ وقد اجتمعت على عزيزة مصر ـ أسعرت في سرها كل لهيب ، وأججت كل نار حتى استغرقت في حب يوسف وتولهت في غرامة واشتغلت به عن كل شيء ، وقد أحاط بقلبها من كل جانب ، هو أول منطقها إذا تكلمت وفي ضميرها إذا سكتت فلا هم لها إلا يوسف ولا بغية لها إلا فيه « قَدْ شَغَفَها حُبًّا » وليوسف الجمال الذي يأخذ بمجامع القلوب فكيف إذا امتلأت به عين محب واله وأدام النظر إليه مهيم ذو غرام.
يوسف وامرأة العزيز :
لم تزل عزيزة مصر تعد نفسها وتمنيها بوصال يوسف والظفر بما تبتغيه منه وتلاطفه في عشرته وتشفع ذلك بما لربات الحسن والزينة من الغنج والدلال لتصطاده بما عندها كما اصطاده بما عنده ، ولعل الذي كانت تشاهده من صبر يوسف وسكوته كان يغرها فيما ترومه ويغريها عليه.
حتى إذا تاقت نفسها له وبلغت بها وأعيتها المذاهب خلت به في بيتها وقد غلقت الأبواب فلم يبق فيه إلا هي ويوسف. وهي لا تشك أن سيطيعها يوسف في أمرها ولا يمتنع عليها لما كانت ولا تزال تراه بالسمع والطاعة ، وتشاهد أن الأوضاع والأحوال الحاضرة تقضي بفوزها ونيلها ما تريده منه.
فتى واله في حبه وفتاة تائقة في غرامها اجتمعا في بيت خالية أما هي فمشغوفة بحب يوسف تريد أن تصرفه عن نفسه إلى نفسها وتتوسل إلى ذلك بتغليق الأبواب ومراودته عن نفسه والاعتماد على ما لها من العزة والملك حيث تدعوه إلى نفسها بلفظ الأمر « هَيْتَ لَكَ » لتقهره