من نفسها ما ليس بينه وبين طلبتها إلا مجرد إقبال من يوسف ولا بين يوسف ـ على ما هيأت من العلل والشرائط ونظمتها بزعمها وبين الإقبال عليها شيء حائل غير أن الله كان أقرب إلى يوسف من نفسه ومن العزيزة امرأة العزيز ، ولله سبحانه العزة جميعا.
وقوله : « قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ » إلى آخر الآية جواب ليوسف يقابل به مسألتها بالعياذ بالله يقول : « أعوذ بالله معاذا مما تدعينني إليه لأنه ربي الذي تولى أمري وأحسن مثواي وجعلني بذلك سعيدا مفلحا ولو اقترفت هذا الظلم لتغربت به عن الفلاح وخرجت به من تحت ولايته.
وقد راعى عليهالسلام في كلامه هذا أدب العبودية كله كما تقدم وقد أتى أولا بلفظة « الجلالة » ثم بصفة الربوبية ليدل به على أنه لا يعبد ربا غير الله ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
واحتمل عدة من المفسرين أن يكون الضمير في قوله : « إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ » للشأن ، والمراد أن ربي ومولاي وهو العزيز ـ بناء على ظاهر الأمر فقد اشترى يوسف من السيارة ـ أحسن مثواي حيث أمركم بإكرام مثواي ، ولو أجبتك على ما تسألين لكان ذلك خيانة له وما كنت لأخونه.
ونظير الوجه قول بعضهم : إن الضمير عائد إلى العزيز وهو اسم إن وخبرها قوله : ( رَبِّي ) ، وقوله : ( أَحْسَنَ مَثْوايَ ) ، خبر بعد خبر.
وفيه أنه لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال : إنه لا يفلح الخائنون كما قال للرسول وهو في السجن : « ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ » : الآية ـ ٥٢ من السورة ولم : يقل إني لم أظلمه بالغيب.
على أنه عليهالسلام لم يكن ليعد العزيز ربا لنفسه ، وهو حر غير مملوك له وإن كان الناس يزعمون ذلك بناء على الظاهر ، وقد قال لأحد صاحبيه في السجن : « اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » : الآية ٤٢ من السورة ، وقال لرسول الملك : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ » : الآية ٥١ من السورة ولم يعبر عن الملك بلفظ ربي على عادتهم في ذكر الملوك ، وقال أيضا لرسول الملك : « فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ » حيث يأخذ الله سبحانه ربا لنفسه قبال ما يأخذ الملك ربا للرسول.