الكشاف ، : فإن قلت كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصد إليها؟ قلت : المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلا يشبه الهم به والقصد إليه وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم ، وهو يكسر ما به ويرده بالنظر إلى برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم.
ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع لأن استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدته ، ولو كان همه كهمها عن عزيمة لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين.
ويجوز أن يريد بقوله : « وَهَمَّ بِها » وشارف أن يهم بها كما يقول الرجل : قتلته لو لم أخف الله ، يريد مشارفة القتل ومشافهته كأنه شرع فيه.
ثم قال : فإن قلت : لم جعلت جواب لو لا محذوفا يدل عليه ( هَمَّ بِها ) ، وهلا جعلته هو الجواب مقدما. قلت : لأن لو لا لا يتقدم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط ، وللشرط صدر الكلام وهو مع ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة ، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض ، وأما حذف بعضها إذا دل الدليل عليه فجائز.
فإن قلت : فلم جعلت لو لا متعلقة بهم بها وحده؟ ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها » لأن الهم لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني فلا بد من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون إلا باثنين معا فكأنه قيل : ولقد هما بالمخالطة لو لا أن منع مانع أحدهما.
قلت : نعم ما قلت ولكن الله سبحانه قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها » فكان إغفاله إلغاء له فوجب أن يكون التقدير : ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها ، على أن المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه ، وتوصله إلى ما هو حظه من قضاء شهوته منها لو لا أن رءا برهان ربه فترك التوصل إلى حظه من الشهوة فلذلك كانت « لو لا » حقيقة بأن تعلق بهم بها وحده انتهى.
ولخصه البيضاوي في تفسيره ، حيث قال : المراد بهمه عليهالسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر