من تقدير أمر محذوف يتعلق العزم به. وقد أمكن أن نعلق عزمه بغير القبيح ، ونجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه فكأنه قال : ولقد همت بالفاحشة منه وأرادت ذلك وهم يوسف بضربها ودفعها عن نفسه كما يقال هممت بفلان أي بضربه وإيقاع مكروه به.
وعلى هذا فيكون معنى رؤية البرهان أن الله سبحانه أراه برهانا على أنه إن أقدم على ما هم به أهلكه أهلها أو قتلوه أو ادعت عليه المراودة على القبيح وقذفته بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل وظن اقتراف الفاحشة به ، ويكون التقدير : لو لا أن رءا برهان ربه لفعل ذلك ، ويكون جواب لو لا محذوفا كما حذف في قوله تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » انتهى موضع الحاجة.
والجواب : أنه قول لا بأس به لكنه مبني على التفرقة بين الهمين وهو خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن حملهما على معنى واحد وقد عرفت إمكان ذلك.
على أن لازمه أن يكون المراد بالبرهان الذي رآه ما يدل على أنه إن ضربها استتبع ذلك هلاكه أو مصيبة أخرى تصيبه ويكون المراد بالسوء والفحشاء القتل والتهمة ـ كما أشار إليه في المجمع ، ـ وهذا خلاف ما يستفاد من السياق قطعا.
وأما ما ذكره في المجمع ، من عدم جواز إرادة العزم على المخالطة من الهمين معا ، ومحصله أن الهم إنما يتعلق بمن لا ينقاد للعازم الهام فيما يريده ، وإذا فرض تحقق الهم من أحد الطرفين لم يصح تحققه مع ذلك من الطرف الآخر إذ لا معنى لتعلق الإرادة بالمريد والطلب من الطالب وبعث من هو مبعوث بالفعل.
ففيه أنه لا مانع من تحقق الهم من الطرفين إذا فرض تحققهما دفعة واحدة من دون سبق ولحوق أو قارن ذلك عناية زائدة كإنسانين يريدان الاقتراب والاجتماع فربما يثبت أحدهما ويتحرك إليه الآخر ، وربما يتحركان ويقتربان ويتدليان معا وجسمين يريدان الانجذاب والاتصال فربما يجذب أحدهما وينجذب إليه الآخر وربما يتجاذبان ويتدانيان.
٤ ـ ومن الأقوال في الآية : أن المراد بالهم في الموردين معا الهم بالضرب والدفاع فهي لما راودته وردها بالامتناع والاستنكاف ثارت منها داعية الغضب والانتقام وهاج في باطنها الوجد الممزوج بالسخط والأسف فهمت به لتضربه على تمرده من امتثال ما أمرته به ، وهو